القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الة الزمن الفصل الثالث3الاخيرمحمود الامين

رواية الة الزمن
 الفصل الثالث3الاخير 
محمود الامين 
 ما فيش شُبهة جنائية، طاهر هو اللي موت نفسه.
_ رغم إن الدكتور شريف قالي.. إن الموضوع رايح في سكة شُبهة جنائية.
= عادي يا باشا، وبعدين حضرتك عارف إن الموضوع مش بيبان غير لما بيتم الفحص كامل للجثة.
_ فاهم فاهم، أنا في المستشفى دلوقتي مع والد طاهر، هخلص كده وهرجعلك.
= تمام يا باشا في انتظارك.
فضلت قاعد شوية قدام الغرفة اللي فيها والد طاهر، ولما القعدة طولت فتحت مذكرات طاهر عشان أكمل.
عرفت إني مش هقدر أغير الماضي، ومن الواضح إن الجهاز ده مهمته يعيشك أحداث الماضي من تاني بس عشان يوريك الوش الحقيقي للبشر اللي حواليك، أهلك وناسك ومراتك، بيوريك قد إيه إنت شخص مغفل، عايش وفاكر حياتك مستقرة وإنت مضحوك عليك من الناس كلها، إزاي عشت في الكذب ده؟ حياتي اللي كانت مليانة بذكريات حلوة في لحظة قلبت كابوس، أنا هعمل آخر محاولة، هحاول أغير الواقع اللي أنا عشته.
مسكت الجهاز من تاني وحددت السنة 2006، وكالعادة نفس الإحساس، نفس الدوخة، وفي لحظة لقيت نفسي رجعت للماضي، بس إيه ده! أنا نايم على السرير، ونايمة جنبي سعاد.. بصيت في الأوضة كويس، البيت ده أنا عارفه، ده بيتي اللي عشت فيه مع مراتي، ولقيت سعاد صحيت وبتصحيني عشان أنزل أروح الشغل.
هو ده حصل إمتى؟.. أصل اللي قدامي ده معناه إن إحنا اتجوزنا، طيب والحمل اللي في بطنها عملت فيه إيه؟
قام طاهر من على السرير ودخل الحمام، وبعد شوية خرج، ولقيته قعد مع سعاد على ترابيزة السفرة، وكانوا بيفطروا.. ولقيت سعاد بتقول:
_ طاهر، أنا عندي ليك خبر هيسعدك.
= خير إن شاء الله.
_ أنا امبارح تعبت شوية، ورحت كشفت عند الدكتور.. والدكتور قال إني حامل.
= بجد! بجد يا سعاد! أنا مش مصدق نفسي.
كنت شايف نفسي عمال أتنطط من الفرحه، هو ده فعلًا اللي حصل في الماضي، بس وقتها ما كنتش أعرف إن اللي في بطنها ده مش ابني.
كنت فرحان وعمال أقول: هبقى بابا أخيرًا، هسمع كلمة "بابا".
كان نفسي في اللحظة دي أضرب النسخة اللي واقفة مليون قلم على وشه عشان يفوق، عشان يفهم إن دي واحدة خيانة، وإن اللي في بطنها ده مش ابنه.
بس ما كانش في إيدي حاجة أعملها، خرجت وأنا مش عارف أعمل إيه، حزين على حالي وعلى حياتي اللي كانت مجرد كذبة، وأنا اللي كنت زعلان إنك موتي، أنا اللي كنت بتعذب كل يوم وإنتِ مش موجودة، تطلعي إنتِ أكبر كذبة في حياتي.
لقيت نفسي رايح على بيت جدي، وأول ما دخلت لقيت ناس داخلة وناس خارجة، وسمعت صراخ.. دخلت بسرعة على جوه، لقيت جدي مات.
كنت مقهور عليه وكأن التاريخ بيعيد نفسه، شفت نفس المشاهد تاني، وعشت نفس المعاناة تاني.
وغمضت عينيّا لما شفت الجهاز بينوّر، ورجعت تاني لـ 2025، خلاص ما بقيتش باقي على حاجة، كنت زعلان إنها ماتت وسابتني، بس دلوقتي أنا صعبان عليا نفسي، اللي شوفته ما فيش إنسان يتحمله، أنا كتبت كل حرف شوفته في الرحلة، ودلوقتي أنا مش عايز أعيش تاني، أنا هموت نفسي.
دي كانت آخر جملة في مذكرات طاهر، اللي انتحر بعد اللي شافه، وبعد ما خلصت لقيت الدكتور بيقولي:
_ تقدر دلوقتي تطمّن على الحالة، هو فاق وطالب يقابلك.
شكرت الدكتور ودخلت الأوضة... كان على السرير باين عليه الحزن، وقبل ما أسأل على أي حاجة، اتكلم وقال:
_ أنا عارف إيه اللي بيدور في بالك، عارف إنت هتسأل على إيه، وأنا هجاوبك، يمكن اللي هحكيه يبان غريب، بس اسمع...
أبويا الله يرحمه كان كاتب، وفي نفس الوقت بيخترع أجهزة، كان عبقري بمعنى الكلمة، بس في الفترة الأخيرة قبل وفاته بدأ يقرأ كتب في الماورائيات، كان بيحبس نفسه بالساعات، بس بعدها بدأ يتغير، كل حاجة بدأت تتغير.. كان بيصحى من النوم وهو بيصرخ، بدأ يخس بطريقة مش طبيعية، وظهرت تحت عينيه هالات سودة.
وكلنا لاحظنا إنه بيصنع جهاز شكله غريب، كان بيقعد يجرب فيه بالساعات، أول مرة كنت أشوفه مستعجل على حاجة كده، وقبل وفاته طلب مننا كلنا إن إحنا نروح نقعد معاه، وقال إنه عاوز يقول حاجة مهمة، ووقتها اتكلم وقال:
( أنا جمعتكم النهارده عشان العيلة دي تفضل متجمعة، بلاش حد يلمس الجهاز اللي في أوضتي بعد ما أموت، الجهاز اللي أنا كنت بصنعه في الفترة الأخيرة ده جهاز ملعون، مش أنا اللي عملته، ده من صنع الشيطان، المفروض إنه جهاز بيخلي الشخص اللي بيستخدمه يسافر من زمن لزمن، بس الموضوع مش بيقف لحد هنا، جايز تكون دي تجربة الكل عاوز يجربها، لكن الجهاز ده بيعكس أحداث الواقع، بيخليك تشوف حاجات ما حصلتش، بيخليك تشوف كل اللي حواليك وحشين، بيرسم ليك واقع أسود، مش عارف اللي حصل في الجهاز ده خلل ولا الجهاز ده فعلًا من صنع الشيطان، أنا حاولت أتخلص منه بس كل ما برميه برجع ألاقيه وكأنه بقى لعنة هتفضل ملازمانا طول العمر).
الكل كان بيقول على أبويا بيخترف، بس رغم كده ما حدش قرب من الجهاز لحد ما جربه طاهر، وعلى حسب المذكرات، طاهر انتحر لأنه شاف الكذب اللي صدره الجهاز ليه، كل الكلام اللي مكتوب في المذكرات ده ما حصلش، ده شيطان عاش طاهر في قصة، واستغل وجع قلبه، وفي النهاية طاهر انتحر.
= يعني حضرتك عاوز تفهمني إن الجهاز ده بيعكس أحداث الواقع؟
_ بالظبط، كل حاجة بيوريهالك الجهاز ما إلا كذبة، بتخليك تكره نفسك واللي حواليك.. الله يرحمك يا طاهر، الله يرحمك يا ابني.
دي حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة فعلًا، أول مرة أعيش حكاية بالتفاصيل دي، الحاج كمال خرج من المستشفى، وقدرنا نطلع التصريح عشان ندفن طاهر في ترب العيلة، ما حدش قال قدام الناس إنه طاهر انتحر، واتقال إنه كان بيعاني من أزمة قلبية وتوفى، بس في الحقيقة هو أخد كمية حبوب مختلفة سببت له هبوط حاد في الدورة الدموية.
ربنا يرحمه ويسامحه.. دي كانت أول قضية ما فيهاش جاني، أصل الجاني جهاز مش هيتحاسب، بس فيها مجني عليه من الدنيا.. الدنيا اللي ما رحمتهوش ووصلته في النهاية للانتحار، الحاج كمال قفل الأوضة اللي كان فيها الجهاز بالمفتاح، عشان يمنع أي حد إنه يدخلها ويعيد التجربة من تاني.
بس السؤال هنا.. هو ممكن الشيطان يستخدم التكنولوجيا في إيذاء البشر؟
هو الإجابة طبعًا آه، ويمكن إحنا شايفين اللي بيحصل دلوقتي حوالينا، وإن في ناس كتير بتقول إن التكنولوجيا هي أحد أسلحة الدجال، ولو إنت معارض للفكرة وشايف إن دي خرافات، فأنا بقولك بص حواليك، وإنت هتعرف إنها مش خرافات، وإنك إنت اللي مُغيّب بس.
الحل في إيدينا: ارجعوا لربنا، حتى لو كنت على معصية، ارجع لربنا، هو الغفور الرحيم، وأكيد هيكون رحيم بعباده.
             تمت بحمد الله 

تعليقات