
رواية قاع البير
الفصل الثالث3
بقلم هنا عادل
فعلا وقفت فى العزا وانا حاسس انى فى دنيا تانية، لكن على قد ما بقدر كنت بحاول اركز مع اللى حواليا، الناس كانت متفهمة الوضع وعارفين ان حالتي دى سببها صدمتى فى خسارتي لأخويا، اركز مع واحد ولا اتنين من اللى بياخدوا بخاطري واسهى وماخدش بالي من اربع ولا خمس رجالة تانيين، خلص الشيخ والمعزيين بدأوا يمشوا، أحنا عندنا الصوان بيفضل منصوب ثلاث ايام، فاتت الليلة وكانت صعبة اوى وحزييينة.
عم مسعود:
- يلا يا زكريا يابني، هات جماعتك وتعاولوا بيتوا عندي.
خيري:
- ايه الكلام ده يا حاج مسعود؟ زكريا وجماعته مش هييجوا غير عندي.
وفضل كل واحد من الموجودين يتعازموا على بعض علشان يستضيفونا عندهم كام يوم العزا.
زكريا:
- كتر خيركم يا جماعة، بس سامحوني انا مش همشى من بيت اخويا.
مسعود:
- ايه يا بني اللى بتقوله ده، دى ريحة النار والحريق لسه مالية البيت، تنام ازاى فيه انت وعيالك؟
زكريا:
- الحريم نضفوا البيت على قد ما قدروا يا عمي، وانا مش عايز اقفل بيت اخويا من اول ما يطلع منه كده طوالي.
جاد:
- يا زكريا، عيب تبقى بيوت اخواتك واهلك مالية البلد، وانت تبيت فى البيت ده بعد اللى حصل فيه، مش هتقدر تنام ولا هترتاح فيه صدقني.
زكريا:
- معلهش سيبوني على راحتي، لو معرفناش نقضي الليلة هنا يساويها ربنا.
يوسف:
- مش أصول يا زكريا، بس اللى يريحك ياخوي، بيوتنا هى بيوتك وانت مش غريب انت صاحب البيوت دي وهسيب مرتي تبيت معاكم تشوف طلباتكم.
زكريا:
- تعيش يا جوز اختي، بس خد مراتك معاك تبيت فى فرشتها، وانت يا خيري كمان، كلكم خدوا حريمكم معاكم.
خيري:
- بس يا زكريا، محدش منهم هيرضى يمشى قبل ايام العزا ما تخلص.
زكريا:
- لاء ييجوا من النجمة لكن خليهم يباتوا فى بيوتهم، أنا لو عليا هقولكم خدوا الجماعة عندى معاكم علشان ممكن ميرتاحوش هنا، لكن انا عارف ام كريم مش هترضى تسيبني بروحى الليلة دى.
مسعود:
- خلاص يابني اللى تشوفه، يلا يا رجالة ادخلوا خدوا حريمكم بقى وعلى بيوتكم، ومن صباحة ربنا يكونوا مع اخوهم.
فعلا دخلوا اجواز اخواتي ياخدوهم، وطبعا اخواتي كانوا رافضين انهم يمشوا من البيت الليلة دى، كانوا رافضين يخرجوا من البيت قبل ايام العزا ما تخلص، لكن انا اصريت واجوازهم كمان أصروا لأنهم عارفين ان دى رغبتي.
عزيزة:
- طيب انا هدخل اخد شيماء.
زكريا:
- سيبيها يا عزيزة، انا مشوفتهاش ومحتاج اطمن عليها.
عزيزة:
- ياخويا البت حالتها صعبة، خلينى اخدها عندى تهدا شوية.
ام كريم:
- اخص عليكي يا عزيزة، واللى انتى هتعمليه يعنى انا مش هعرف اعمله، دى زيها زي غادة، سيبيها معانا يمكن نقدر نهون عليها شوية.
خيري:
- خلاص يا جماعة بقى يلا بينا خلونا نسيب زكريا والجماعة يرتاحوا شوية، دول تلاقيهم مداقوش النوم من ساعة ما سمعوا الخبر، وكفايا مشوار السفر ده لواحده.
بالفعل خرجوا البنات مع اجوازهم، ومشيوا كل المعزيين واخيرا مفيش حد غيرى انا ومراتي وولادي وبنت اخويا اللى اخيرا هشوفها.
زكريا:
- هى فين شيماء يا ام كريم؟
أم كريم وعلى ملامحها علامات الاندهاش:
- قاعدة جوة فى اوضتها ياخويا.
زكريا:
- وليه سايبينها لواحدها؟ المفروض حد منكم يكون جنبها.
أم كريم:
- ضياء معاها جوة.
زكريا:
- ضياء! بقى دى اصول يا بنت الاصول تسيبي البت قاعدة من الواد فى الاوضة لواحديهم؟
أم كريم بهدوء:
- أخوها وابن عمها يا زكريا، وبعدين قاعد معاها بدل ما تبقى لواحدها، كريم معاك مفارقكش، وغادة كانت مع الحريم بتخدّم على الناس.
زكريا:
- ماشى، انا هدخل اشوفها، الله يسترك يا غادة يابنتى حضريلها لقمة تاكلها، تلاقيها محطيتش حاجة فى جوفها من وقت اللى حصل.
غادة:
- متقلقش يا بابا، هى حضّرت لنفسها ودخلت بالاكل اوضتها تاني، ولما ضياء دخل يقعد معاها خرج بالصنية فاضية.
الكلام كان غريب شوية، شيماء عندها بتاع 12 سنة، معقول تكون مش فاهمة معنى اللى حصل ولا مقدراه للدرجة اللى تخليها عندها القدرة على انها تجهز اكل وتقعد تاكل لحد ما تخلص اكلها كله كمان؟
زكريا:
- طيب هدخل ابص عليها.
ام كريم:
- ربنا يُلطف بيها.
دخلت اوضتها وانا مش عارف هواجهها واخد بخاطرها ازاى، اول ما دخلت الاوضة جالى ذهول من اللى شايفه، البيت من بعد الحريقة كل جدرانه وحيطانه مهببة ومنها اللى القشرة بتاعته وقعت بسبب النار، ريحة البيت كله تخنق بسبب النار والحاجة اللى اتحرقت، اه اخواتي البنات مسكوا البيت مسابوش فيه مكان من غير ما يحاولوا ينضفوه، لكن مهما كان دى مش مجرد شعلة هبّت وانطفيت فى لحظتها، دى نار ولعت اكلت البيت باللي فيه، ولو عندنا بنسمع للكلام الصح، كان البيت ده اتقفل من ساعة ما اخويا خرج منه، لكن احنا رفضنا ان بيت الغالي يتقفل بالسرعة دى وكأننا ما صدقنا نمشى منه، فتحت باب اوضة شيماء، حسيت انى داخل سرايا، الاوضة كأن النار معديتش من نواحيها حتى، الحيطان معمولة بورق الحائط اللى انا مش عامله فى بيتي فى اسكندرية، التكييف شغال ومخلي الاوضة وجوها جنة، ريحة الاوضة نفسها كأن فيها بخور ريحته مشميتش زيها فى حياتي ريحة اجمل من ريحة المسك، كنت بلف بعنيا فى الاوضة اللى دخلتها وانا مش مصدق ان الاوضة دى فى نفس البيت اللى حصلت فيه الحريقة، وانا بلف بعنيا، شوفت ضياء ابني قاعد على الارض وساند ضهره على السرير، وعنيه متعلقه على بنت عمه اللى كانت قاعدة فى الارض على عتبة تطلع من اوضتها على تكعيبة كده كان اخويا مقفلها زمان علشان يربوا فيها الطير وفيها سلم صغير يطلّع على سطح البيت، كانت قاعدة شيماء ومعلقة عنيها على الزرع اللى متعلق على جدار التكعيبة دى وكأنها باصة على حاجة احنا مش شايفينها، قربت منها وعنيا على ضياء اللى مهتمش يبص عليا لما دخلت حتى، قربت من شيماء اللى قاعدة فى منتهى الهدوء، قعدت على ركبي جنبها وحطيت ايدي على كتفها، كنت متخيل الاقيها منهارة وبتعيط، متخيل انها هتصرخ اول ما تشوفني وتحكيلى على اللى حصل كله، لكن اتصدمت من رد فعلها لما لقيتها بتكلمني من غير حتى ما تبص ناحيتي:
- بقيت وحيدة ياعمي، راحوا اللى ليا فى الدنيا، ايه لازمة انى افضل موجودة من غيرهم؟ ازاى يجيلهم قلب يمشوا ويسيبوني لواحدى فى اللى انا فيه؟
سمعت كلامها وانا مصدوم من الهدوء اللى بتتكلم بيه، البنت صغيرة على انها تقدر تتحمل موقف زى ده وتتعامل معاه بهدوء كده، ده انا يا راجل يا كبير كنت بولول زى الحريم، فى اللى احنا فيه ده مش مطلوب من حد يبان قوي ويداري ضعفه وحزنه جواه.
زكريا:
- عيطي يا شيماء يابنتي، اصرخي يا حبيبتي، مش عيب ولا ضعف، اوعي تداري حزنك جواكي، انك تعيطى وتصرخي دى اقل حاجة ممكن تنفسي بيها عن اللى جواكي.
وهنا اللى حصل اغرب من اللى اتقال من شوية، لقيتها بصيتلي وعنيها فيها لمعة غريبة وكأن الشمس نورها متصدر فى عنيها وعاكسة لمعان اشعتها، وأتكلمت وهى راسمة ابتسامة هادية:
- قولتلهم ياعمي، قولتلهم بلاش يسيبوني، قولتلهم بلاش يخلونى اخسرهم، لكن هما مصدقونيش، مهتموش بيا، كان سهل عليهم يفارقوني.
زكريا بذهول:
- يعني ايه قولتلهم يا شيماء؟ هما يعنى يابنتي اختاروا نهايتهم؟ ولا ده قدر حد ينفع يختاره لنفسه؟ ده عذاب ربنا ينجينا منه، ويعوضهم عن أحساسهم بيه بنعيم الجنة.
شيماء بابتسامة ساخرة:
- هما اللى اختاروها يا عمي، هما اللى أختاروا صدقني.
كلامها كان غريب انا مش فاهم معناه، لكن فى نفس الوقت انا عايز اسأل عن كل حاجة حصلت ومش عارف هل الوقت ده المناسب انى اسأل واعرف ايه اللى حصل ولا المفروض اراعي الحالة اللى هى فيها واسكت، بس هى قاطعت تفكيري.
شيماء:
- عمي انا مش همشى من هنا، مش عايزة حد ياخدنى من بيتي.
زكريا بحزن:
- بقى كده يابت الغالي؟ مش عايزة تيجي تشوفى اسكندرية وتعيشي مع عيال عمك؟ ده انتى الغالية بنت الغالي مينفعش تعيشي بعيد عني.
شيماء:
- صدقني يا عمي انت نفسك هتتمنى لو افضل هنا العمر كله، البيت ده انا مينفعش اسيبه، كفايا اللى حصل.
زكريا:
- انتى ليه كلامك كله الغاز كده يابت اخويا؟ فى ايه انا معرفهوش
شيماء:
- مفيش حاجة ينفع تعرفها ياعمي، انا بس كل اللى عايزاه منك تسيبني فى مكاني.
زكريا:
- يا حبيبتي مينفعش، انتى بنت بنوت مينفعش تعيشي فى الدوار ده كله لحالك، ومش هينفع اسيبك فى بيت واحدة من عماتك، ميصحش تعيشي فى بيت من بيوت جواز عماتك.
شيماء:
- ويعني يا عمي ينفع اعيش في بيت فيه اولادك؟
زكريا مذهول من كلامها:
- دول عيال عمك يا شيماء، وبعدين يا حبيبتي انتي لحمهم وعرضهم، ولو حد منهم شافك عريانة يغطيكي.
شيماء:
- بلاش يا عمي صدقني، وجودى هنا هيكون اريح لكل اللى حواليا.
زكريا:
- هو ايه اللى حصل يا شيماء يابنتي؟ ايه حكاية الحريقة دى؟ وانتى كنتى فين ساعة اللى حصل؟
شيماء سمعت الكلام وبعدت وشها عن عمها ورجعت علقت عنيها على ورق الشجر اللى ماشى على الحيط من اوله لأخره .
زكريا:
- يابنتي أنا مش عايز اضايقك، عارف النار اللى جواكي وحاسس بيها، لكن انا برضو عايز اعرف ايه اللى حصل لاخويا بالظبط.. انا يا شيماء سمعت.....
بصيت شيماء لعمها بسرعة ومستنياه يكمل جملته، لكن هو تراجع فى اللى كان ناوى يقوله، برضو بنت اخوه صغيرة ومش عايز يقول اللى حصل معاه فى المقابر علشان متخافش فأضطر يسكت.
شيماء بهدوء وثقة:
- انا مش بخاف يا عمي، لو عايز تقولي حاجة وقلقان عليا، قول انا هفهم.
زكريا مستغربها جدا، وفى نفس الوقت مستغرب ان ضياء ابنه ساكت مش بيتكلم خالص من وقت ابوه ما دخل الاوضة، وده اللى خلاه يلف برقبته يبص على ابنه.
زكريا:
- ضياء يابني، انت عامل ايه دلوقتى؟ حقك عليا اللى حاصل خلانى نسيت اطمن عليك.
ضياء وهو باصص لشيماء:
- أنا كويس يا بابا.
زكريا:
- أنا اطمنت عليك وعارف انك مكنتش لواحدك واكيد الجماعة فوقوك.
ضياء:
- فوقوني من ايه يابابا؟
زكريا:
- لما وقعت فى الاوضة جوة.
ضياء:
- أنا موقعتش يا بابا، ده كريم اللى وقع من طوله مش انا.
زكريا بأستغراب:
- كريم! انا قولت انت علشان كده مشوفتكش من بعد اللى حصل، لكن كريم مسابنيش خالص علشان كده قولت اكيد انت تعبت.
شيماء بهدوء:
- متخافش على ضياء يا عمي، هو كويس.
زكريا بقى يبص لضياء ويرجع يبص لشيماء وهو حاسس ان فيه حاجة غريبة، افتكر الصوت اللى اتردد فى ودانه اكتر من مرة، شيماء يا زكريا..خلي بالك من شيماء، ياترى ده تحذير منها؟، ولا توصية عليها؟
زكريا:
- الحريقة قامت ازاى يا شيماء؟
شيماء:
- انا كنت على السطح يا عمى وقت ما حصلت، محسيتش ان فيه حاجة فى البيت غير لما لقيت الدخان طالع من حوالين البيت للسما، بصيت من عند السور لقيت لهب النار خارج من كل مكان، وصوت الصريخ مسمع البلد كلها، خوفت انزل ومعرفتش المفروض اعمل ايه، لكن ياريتنى كنت معاهم، ياريتهم سمعوا كلامي، وياريتهم مسابونيش لواحدى، ياريتنى أحافظ على اللى باقي يا عمي
تعليقات
إرسال تعليق
مرحب بكم في مدونة معرض الرويات نتمنه لكم قراء ممتعه اترك5 تعليق ليصلك كل جديد