القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الاحدب الفصل الثالث3الاخير بقلم محمود الامين

رواية الاحدب
 الفصل الثالث3الاخير
 بقلم محمود الامين 
كنت واقف مصدوم، المفروض إن الحكاية دي خلاص انتهت وصفحتها اتقفلت، يا ترى مين اللي قتل الطفل ده؟
البلد وقتها اتقلبت، والحكومة جت عشان تعرف مين اللي عمل كده؟
بس ما حدش كان عارف، الكل كان بيتهم بعضه، وكل ما بيحصل اتهام لواحد كانت التحريات بتبرّؤه من التهمة، وللأسف ملف القضية اتقفل واتقيد ضد مجهول.
والكل كان فاكر إن في شخص طلع إنه يفتح مقبرة، وإن الكلام ده مش هيحصل تاني. يومها رجعت على البيت، قفلت على نفسي الباب وأنا مش فاهم حاجة، لكن لقيت خبط على الباب.
ولما فتحت لقيت والد البنت واقف في وشي، مسكني من هدومي وقال:
_ إنت اللي قتلت ابني يا منصور؟... انطق قبل ما أخلص عليك.
= قتلت ابنك إيه يا عم؟ شيل إيدك دي.
_ إنت الوحيد اللي اتهموه في موضوع القتل.
= وأظن إني طلعت براءة، وبعد كده إنت جاي تتشطر عليّ أنا؟ ما إنت عندك الدجالين اللي قالوا إنه لازم تقديم قربان عشان فتح المقبرة، يعني لو عايز تنتقم من حد تنتقم من الدجالين مش مني.
_ يعني إنت بتعترف إنك إنت اللي قتلت ابني؟
= أنا ما قلتش كده، أنا قلت إنك سايب السبب الأساسي في اللي بيحصل وماسك فيّ أنا دلوقتي.
_ أنا هسيبك وهصدّق كلامك، بس لو طلعت إنت اللي عملتها هرجع وآخد حقي منك.
مشي الراجل ده من عندي، وأنا مش فاهم بجد إيه اللي بيحصل في القرية. دخلت نمت على السرير وما حسّيتش بنفسي، لكني صحيت على صوت صراخ معتاد بقيت أسمعه على طول.
قمت من على السرير ورحت ناحية الباب وفتحته، البلد كلها كانت بتجري ناحية محل واحد اسمه كرم، اتسندت على العكاز لحد ما وصلت هناك، وأول ما دخلت المنظر كان بشع، كرم مدبوح وراسه مفصولة عن جسمه، ده غير إن عينينه الاتنين مخلوعين من مكانهم، منظر صعب.
كل اللي كان يدخل يشوف المنظر كان يترعب، مين اللي قلبه قاسي وفي كمية الشر والإجرام دي؟ مين اللي يقدر يعمل كده في بني آدم؟
الموضوع تعدّى حكاية المقابر الأثرية، الحكاية حكاية انتقام، والكل بيسأل نفسه: إمتى هينتهي بحر الدم في القرية؟
رجعت البيت وأنا بترجف من الخوف، ووقتها لقيت تليفون البيت بيرن، بقاله سنين ما رنّش. فتحت الخط وقلت: ألو.
كانت أمينة... يااااه بقالي كتير ما سمعتش صوتها.
_ إزيك يا أمينة؟ عاملة إيه؟
= مش وقت سلامات يا منصور، كنت عايزة أسألك هو هاشم جه عندك؟
_ هاشم؟ لا... من يوم ما إنتي أخدتيه وبعدتي وأنا ما شفتوش، بس بتسألي ليه؟ هاشم زمانه كبر يعني هو مسؤول عن نفسه، ما تخافيش عليه.
= هاشم بقاله أربع أيام مختفي، هو مش طبيعي من ساعة ما حكيتله على اللي إنت مريت بيه، اتأثر قوي يا منصور.
_ وليه تحكيله؟ إنتي مش بعدتي، ما كنتيش فتحتي قدامه الماضي.
= سألني عنك وكان لازم أجاوبه، وحكيت كل حاجة حصلت معاك.
_ هو عموماً ما جاش عندي، ولو جه هخليه يرجع تاني عندك.
= تسلم يا منصور، وبلغوني، أنا هتجنن وأعرف هو فين.
قفلت معاها الخط وأنا بسأل نفسي: هتكون رحت فين يا هاشم؟
عدى كام يوم، والدنيا بدأت تهدى من تاني وقلنا خلاص... لكن إزاي؟ يومها كنت في الجامع، وكان اللي بيخطب بالناس الشيخ حسان، آه ما تستغربوش... الراجل اللي كان دجال في يوم من الأيام بيقول إنه تاب ورجع لربنا، في ناس مصدقة ده، وناس تانية بتقول ده مجرد ستار عشان يعمل اللي هو عاوزه.
وبعد ما خلص الخطبة، كلنا صلينا وراه، وأول ما خلصنا صلاة لقينا راجل قدام الجامع جاي وهو بيعيط وشايل على إيده بنت ما كملتش 3 سنين، كانت مدبوحة وشكلها يصعب على الكافر. وأول ما شاف الشيخ حسان، نزل بنته على الأرض وخرج من جنبه سكينة ونزل بيها ضرب في الشيخ وهو بيصرخ وبيقول:
"إنت السبب، إنت اللي عملت كل ده، خليت الناس كلها تفكر في الفلوس والآثار، والكل بقى عينه على ابن التاني عشان يخلص عليه ويفتح المقابر".
الناس كانت بتحاول تخلص الشيخ حسان من إيده، لكن خلاص، الشيخ حسان كان مات، ومن نفس البيت للمرة التانية يخرجوا كلب مربوط من رجليه ومدبوح، وده بيدل على السحر.
وقتها قامت خناقة كبيرة ما بين الناس اللي واقفة مع الشيخ حسان اللي مات قدامهم، والناس اللي ضده واللي كانت شايفاه راجل كافر ودجال. وفي لحظة، البلد اتحولت لبحر دم، والناس اللي لسه خارجة من الجامع نسيت دينها، والكل بدأ يقتل في بعضه.
لحد ما الحكومة وصلت وقبضت على ناس كتير، والجثث اتدفنت، واتفرض حظر تجول على البلد كلها، عاوزين يمسكوا المجرم.
وفي يوم كنت نايم، ولقيت باب البيت بيخبط. قمت من على السرير ورحت ناحية الباب وفتحته... كان واقف قدامي شاب في العشرينات، أول مرة أشوفه، قرب مني وحضني وهو بيقول:
"وحشتني يا أبويا".
_ هاشم... هاشم حبيبي... إنت موجود بجد هنا يا هاشم؟
= آه موجود، جيت عشان آخد حقك من كل اللي ظلموك.
لما قال كده، طلعته من حضني وسألته:
_ حق إيه اللي إنت بتتكلم عليه يا هاشم؟
= حقك يا بابا، ابنك هو اللي عمل كده في القرية، ابنك اللي دفع الناس دي تمن اللي عملوه فيك زمان. الناس دي كانت السبب في إن العيلة تتفرق وأعيش بعيد عنك أنا وأمي، وكل ده عشان حاجة إنت ما لكش ذنب فيها، حاجة إنت اتولدت بيها.
_ ليه؟ ليه عملت كده؟ ده أنا كنت بتمنى أشوفك وأعيش معاك الباقي من عمري.
= ما أنا جيت أهو عشان أعيش معاك.
_ بعد إيه؟ بعد ما بقيت قاتل؟ لا لا، أنا مش قادر أصدق... إنت أكيد بتكدب عليا صح؟ أكيد بتكدب، الجرايم دي حصلت أصلاً قبل ما إنت تنزل القرية.
= كلامك صح، أنا لما نزلت القرية ما كنتش مخطط هقتل إزاي؟ بس لما نزلت عرفت كل حاجة عن القرية، عرفت الفتنة اللي قال عليها الدجالين وخلى الناس طمعت، فبدأت أنفذ كلامهم عشان البلد تولع وكلها تمسك في بعضها. بس اللي ماقدرتش أنساه وصورته اتحفرت في عقلي من وأنا طفل صغير... كرم صاحب المحل اللي كان دايماً بيتريق عليك في الروحة والجيّة، موته أبشع موتة، وكنت مبسوط وأنا بعمل كده.
_ إنت مريض، إنت لا يمكن تكون ابني، إنت مش ابني.
= أنا عملت كل ده عشانك، وجاي في الآخر تقول إني مش ابنك؟
في اللحظة دي الشرطة اقتحمت المكان، عشان هاشم اخترق الحظر ودخل عندي، ولقيت نفسي بتكلم وبقول:
_ اقبضوا عليه يا باشا، هو ده السفاح اللي قتل الناس واتسبب في خراب القرية.
= بتسلمني؟ بتسلمني بإيدك؟
_ عشان كنت بحلم أشوف ابني حاجة كبيرة، بس ما تصورتش إني أشوفك قاتل. امشي، روح معاهم، إنت مكانك الطبيعي مش هنا، مكانك في مستشفى المجانين، إنت مجنون، إنت لا يمكن تكون ابني.
كنت منهار وأنا بقول الكلام ده، وشفت ابني الوحيد والشرطة بتلبسه الكلبشات وبتقبض عليه.
وأنا كنت عارف إنه ما ليش مكان في البلد دي خلاص، ما حدش هيتقبل وجودي في البلد بعد ما يعرفوا اللي ابني عمله.
أنا مشيت، مش مهم رحت فين، المهم إني عملت اللي يرضي ضميري. بس أنا عايز أقول حاجة... النفسية، ما تستهونوش بالنفسية يا جماعة، شيء مرهق جداً إن طفل صغير يشوف اللي شافه هاشم. أنا مش ببرر اللي عمله، بس أهو التنمر صنع مجرم، والتنمر كان على حاجة مش بإيدي ومن صنع الخالق.
بلاش تنمر، بلاش تريقة، ما تستهونوش بالنفسية.
       تمت بحمد الله

تعليقات