القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الاحدب الفصل الاول1بقلم محمود الامين

رواية الاحدب
 الفصل الاول1
بقلم محمود الامين
كنت بسمع جملة زمان بضحك عليها دلوقتي.. بلاش تخرج برّه، في كلاب ممكن تعضّك، يعني الكلاب هتأذيني.. بس لما كبرت عرفت إن الأذِيّة مش بتيجي غير من البشر، وياريت بس نكون في ولاء الكلاب.
الملامح خلاص شابت، والتجاعيد ملت وشي، والأحدب بقى راجل عجوز عايش هنا بطوله. كنت بقول الكلام ده لنفسي وأنا واقف قدام مرايتي المكسورة، بس فجأة سمعت صراخ جاي من برّه. اتسندت على عكازي وخرجت، لقيت الناس مخرّجة جثة طفل من بيت الحاج جميل، البيت اللي اتقال عليه من السحرة والدجالين إن في تحته مقبرة أثرية. بس اللي زوّد الطين بِلّة، إن في واحد خرج من أهل البلد من جوه نفس البيت، وهو ماسك كلب مربوطة رجليه في بعض ومدبوح.
لسه واقف مكاني ببص على حال القرية اللي اتقلب في يوم وليلة، حرايق في كل حتة، وجثث في كل مكان.. سندت راسي على الحيطة وأنا برجع بالذاكرة لورا، عاوز أفتكر كل حاجة من البداية.
اسمي منصور، اتولدت في محافظة القاهرة، في مكان كان بيتسمى في الوقت ده العشوائيات، ناس بسيطة وعلى قد حالها بتنزل على أكل عيشها الصبح وآخر اليوم تروح ترمي جسمها على السرير وتنام من التعب.
كان حلمي وأنا صغير إني أبقى زي أي طفل، مش عاوز حاجة غير إني أحس بالطفولة، لكن لأ، اتولدت بمشكلة في ضهري كان عندي اتّب.
وأنا في المدرسة كنت باخد تريقة كتير وكانت بتسيب فيا أثر، كنت بقول بكره هكبر وكل الكلام ده هينتهي، لكن للأسف كنت غلطان. كل أهل المنطقة كانوا بيتريقوا عليا وعلى شكلي، وفي بعض الناس منهم كانوا بينادوني بـ "الأحدب". خلّوني كرهت نفسي، ولما كنت بطلب من أهلي يجيبولي حقي ما حدّش كان بيعبرني. نفسيتي اتدمرت من وأنا طفل صغير، بس زي ما كل حاجة بتعدي، الأيام عدّت.
وكبرت، والاتّب زاد، وكنت فاكر وقتها إني خلاص هرتاح، بس المشكلة إن أهلي كانوا عاوزين يجوزوني. بس مين اللي هترضى بواحد زيي؟ واللي حسبته لقيته: كل ما كان أهلي يروحوا عشان يخطبولي بنت كنت أترفض وأسمع بودني كلام من عيّنة: "بقى أنا بنتي تتجوز واحد عنده اتّب ليه؟ بايرة ولا معيوبه؟"
أنا الموضوع ما كانش فارق معايا، أنا مش عايز أتجوز، بس كلامهم كان بيدبحني وبيحسسني قد إيه أنا معيوب.. لدرجة إني فكرت أنتحر، ده حتى ده فشلت فيه. ولما أهلي زهقوا جوزوني بنت عمتي "أمينة"، كانت بنت حلال وطيبة، ورغم اللي عندي قبلت تتجوزني. وقبل ما حد فيكم يقول أي حاجة، أنا عارف إني صعبت عليها وإنها مش بتحبني ولا حاجة.
عشنا مع بعض 3 سنين وخلفنا ابننا "هاشم"، ولكن أمينة كانت متضايقة من الناس في المنطقة وإن ما فيش تقدير خالص لنفسيتي، والمعايرة اللي شغّالة 24 ساعة. ووقتها حصلت حاجة وهي كانت بداية الحكاية.. يومها كنت قاعد في البيت ولقيت تليفون البيت بيرن، رديت:
_ ألو، مين معايا؟
= إزيك يا منصور عامل إيه؟
_ مين معايا؟
= أخصّ عليك، وأنا اللي قلت هتعرفني من صوتي، أنا عصام القرشي، زميلك اللي كان معاك في المدرسة، فاكرني؟
_ إزيك يا عصام عامل إيه؟
= في نعمة يا حبيبي، الحمد لله، أنا بكلمك عشان في شغل جديد.
_ شغل إيه ده وفين؟
= بص، هو بصراحة بعيد شوية، أنا شغال حارس في مدرسة في قرية في الصعيد، وسمعت إنهم عايزين واحد يمسك الكانتين، وأنا عارف الحالة عندك مزنوقة وما فيش شغل، قلت تيجي تمسك إنت الكانتين.
_ يعني أنا هسيب القاهرة وآجي الصعيد عشان شغل في كانتين؟
= مش أحسن ما إنت قاعد عندك، واللي رايح واللي جاي بيتريق عليك؟
_ طيب سيبني أفكر وهرد عليك.
= ماشي، بس في أسرع وقت قبل ما يجيبوا حد.
...
قفلت معاه وأخدت رأي أمينة في الموضوع، ولقيتها موافقة وقالتلي:
_ كده أحسن، الناس هنا مش بترحم، ويمكن لما نغيّر مكان نرتاح.
كان عندها حق، وفعلاً من تاني يوم اتحركنا على الصعيد، وبدون الدخول في تفاصيل مش مهمة، اتعينت فعلاً في كانتين المدرسة، بس للأسف اللي كنت بعاني منه هناك عانيت منه هنا، البشر طبيعة واحدة، ملهاش علاقة من القاهرة ولا من الصعيد.
الكل كان بيناديني بـ "الأحدب"، وزاد الموضوع لما ابني كبر ودخل المدرسة، وكان بيتعاير عشان أنا أبوه، وعشان أمه كانت ست متعلّمة، كانت خايفة على نفسية ابنها، فقررت إنها تسيبني في نص الطريق، أخدت الولد ومشيت، رجعت على بيت أبوها في القاهرة، والمفاجأة إنها طلبت الطلاق. كنت فاكر إنها هتكون رحيمة بيا، بس حتى ده ما حصلش.
كل اللي فات ده بيتعرضله أي حد، لكن القصة الحقيقية بتبدأ لما اكتشفت إن أهل القرية بيعتمدوا على السحر في كل حاجة في حياتهم. القرية مليانة سحرة ودجالين.
والحكاية بدأت من خناقة في الشارع، يومها كنت نايم في البيت وسمعت الزعاق، فخرجت من البيت وعرفت إن في واحد اسمه "أكرم" كان بيكره خلفه البنات، ومراته ما كانتش بتخلف، والمفروض إنها راحت لواحد من السحرة، وفعلاً بقيت حامل. بس بعد مرور كام شهر خد أكرم مراته للدكتور، وعرف إنها حامل في بنت، فنزل ضرب فيها لحد ما سقطها ودخلها المستشفى. والخناقة اللي دايرة برّه دي ما بين أكرم وأهل مراته، والناس اتدخلت عشان تفضّ الخناقة اللي ما بينهم.
وأنا دخلت عشان أكمل نومي عشان الشغل الصبح، لكن القرية كلها صحيت على صوت صراخ. جريت فتحت الباب، وشفت بيت أكرم بيولع، وصوت الصراخ اللي طالع منه لا يمكن يكون صوت بشر.
وبعد ساعتين قدرت الناس تسيطر على الحريق، بس طلعوا أكرم من جوه جثة متفحمة. الناس بدأت تقول ده انتقام الجن من أكرم، بس حتى بعد ما مات كان كل شوية النار تمسك في البيت، والناس تتدخل عشان تطفيها.
فات أسبوع، والدنيا رجعت لطبيعتها. وكنت في اليوم ده شغال في الكانتين وجايالي بضاعة جديدة، لقيت عصام قاعد على باب المدرسة وبيكلم نفسه. قربت منه وسألته:
_ مالك يا عصام، في إيه؟
= امبارح، العمدة بتاع القرية كان عند الشيخ حسان، وأكيد إنت ما تعرفهوش، ده راجل مبروك وليه كرامات.
_ قصدك دجال؟
= أوعى تقول الكلام ده تاني، الشيخ حسان راجل معالج.
_ المهم، ماله يعني؟ إيه اللي حصل؟
= الشيخ حسان قال إنه في مقابر أثرية في القرية، وحدّد كذا بيت فيهم مقابر أثرية، بس المقابر دي مش هتتفتح غير بقربان، وكل اللي سمع الخبر خايف على نفسه، أصل ده لو حصل البلد هتتقلب مجزرة.
_ إيه يا عم الكلام ده؟
= والله زي ما سمعت كده.
سبت عصام وقمت كملت شغلي، وبعد ما خلصت قفلنا المدرسة ومشينا أنا وعصام. وأول ما وصلنا القرية سمعنا صرخات الأهالي. عصام بصلي وبرق، وإحنا الاتنين جرينا عشان نعرف في إيه، ووقتها عرفنا الكارثة..

تعليقات