رواية آلة الزمن
الفصل الاول1
بقلم محمود الامين
في جملة بسمعها من زمان بتقولك إيه.. ما تقربش قوي من النور، النور الزيادة بيعمي. ما كنتش فاهم معناها، بس لما كبرت فهمت. في سؤال بيجي على بال بعض الأشخاص مننا، هو إحنا مخيّرين ولا مسيّرين؟
الإجابة هتكون دايمًا مختلفة، ومستحيل تلاقي الكل اتفق على إجابة واحدة. في مننا شايف إن كل حاجة بإيد ربنا وإننا مسيّرين، والبعض الآخر شايف إننا آه مسيّرين ولكن في بعض الأمور، وإن ربنا أنعم علينا بنعمة الاختيار، وإلا ما كانش هيحاسبنا.
طيب الكلام ده معناه إيه؟.. ولا إنت بتقوله ليه؟
خليني أحكي الحكاية.
الذكريات هي أكتر حاجة بتهد البني آدم. دايمًا كنت بسمع جدي الله يرحمه، بيقول: بلاش تعمل ذكريات حلوة مع حد ممكن في يوم يسيبك ويمشي، عشان ساعتها هتحس إن روحك اتاخدت منك. هتعيش فترة صعبة بعدها، قلبك هيوجعك، نفسك هتضيق، وهتحس الدنيا دي أضيق من خرم الإبرة.
جدي كان كاتب، وكان بيضيع وقته في الكتابة وكمان الاختراعات، كان بيحاول يكون مختلف عن أي حد. ومن ساعة موت سعاد، الست الوحيدة اللي حبيتها وعشت معاها سنين، وأنا باجي هنا، ده المكان اللي بستريح فيه. الله يرحمك.. خلفت منها ابني الوحيد أسامة، ولكن في النهاية مشيت وسابتني لوحدي.
دخلت بيت جدي وأنا منهار من العياط، كالعادة كان نفسي أترمي في حضنه زي زمان وأشتكيله، بس للأسف هو كمان ما بقاش موجود. فضلت ألف في البيت شوية، أتفرج على الذكريات الجميلة، لحد ما لفت نظري جهاز شكله غريب، فيه زراير وعامل زي جهاز الكمبيوتر ولكن شكله قديم. فضلت أدوس على الزراير دي وأنا مش فاهم حاجة، لكن فجأة الجهاز نور، ولقيت نفسي بدوخ ودماغي بتتقل وعاوز أنام. وأول ما فتحت عينيا لقيت نفسي على السرير، كل حاجة كانت مختلفة. ديكور الأوضة كان قديم جدًا، وكان في نتيجة متعلقة على الحيطة. قربت من النتيجة وأنا مذهول.. 2006!
إزاي وأنا المفروض عايش في 2025؟ أنا جيت هنا إزاي؟ لكن فجأة باب الأوضة اتفتح، ولقيت...
_ يا أستاذ، أنا ليا ساعة بشرح لحضرتك إنه لازم يفوت 24 ساعة عشان أقدر أعملك محضر.
= وأنا هفضل مستني كل الوقت ده؟ بقولك ابني مختفي من الصبح ومش عارف أوصله وتليفونه مقفول.
_ أنا مقدر يا حاج، بس ده القانون.
= طيب دخلني للظابط، أنا مش هستنى دقيقة واحدة ولازم أعمل محضر.
في الوقت ده خارج الظابط وهو بيقول: في إيه؟
فرد عليه الأمين وقال:
_ الأستاذ جاي يعمل محضر تغيب لابنه الوحيد، بس لسه ما عدتش المدة القانونية يا باشا، وهو مش عاوز يصبر.
وقتها بص الظابط للأستاذ كمال وقاله:
_ هو ابنك ده عنده كام سنة؟
= 35 سنة يا باشا.
_ نعم؟ إنت جاي تهزر يا أستاذ؟.. إزاي يعني عنده 35 سنة ومتغيب؟
= هو يا باشا، بيمر بظروف صعبة شوية من ساعة موت مراته.
_ يا سيدي الله يرحمها، بس زي ما قالك الأمين، ده القانون.
= يا باشا أبوس إيدك، ده ابني اللي ما حلتيش غيره، أبوس إيدك اتصرف وحاول تعمل حاجة.
_ حاضر يا أستاذ كمال.. مش أستاذ كمال برضه؟
= أيوه يا باشا.
مشِـي الحاج كمال من عند الظابط سليم، بعد ما عمل المحضر وبدأنا ندور على المدعو طاهر كمال. وعرفت من التحريات إن طاهر كان بيمر فعلًا بفترة صعبة بعد موت مراته، وبدأت رحلة البحث، عشان بعد 48 ساعة يرجع الوالد، تاني الحاج كمال، ويقول للظابط:
_ ما فيش أخبار جديدة؟
= للأسف يا حاج، لسه.
_ طيب أنا افتكرت حاجة، طاهر لما كان يتخنق كان بيروح بيت جده، ممكن نلاقيه هناك.
= وعنوان بيت جده ده فين؟
اخدنا العنوان واتحركنا، وشك الراجل كان في محله فعلًا، عشان أول ما وصلنا كانت عربية طاهر راكنة قدام البيت. اقتحمنا البيت بعد ما حاولنا نخبط كتير ومحدش كان بيرد، وبدأنا نفتش البيت حتة حتة، لحد ما وصلنا لأوضة كانت مفتوحة وكان فيها طاهر واقع على الأرض جنب المكتب وقاطع النفس تمامًا.. أيوه بالظبط، كان متوفي.
أبوه فضل يبكي زي العيال الصغيرة، وفضلنا نهدي فيه، وطبعًا كان في شك في شبهة جنائية، وعشان كده بلغنا رجال المعمل الجنائي اللي جم وبدورهم بدأوا يشوفوا شغلهم. لكن أخدت بالي إن في مذكرات موجودة على المكتب اللي كان واقع جنبه طاهر، فتحت المذكرات، واللي كان مكتوب في أول صفحة كلام عادي عن الذكريات وعن الارتياح اللي بيحس بيه طاهر لما بيجي البيت ده، لحد ما بدأت أدخل في جزئية خيالية ممكن أكون قريتها قبل كده في روايات ألف ليلة وليلة. وده لما بدأ كلام طاهر يروح في سكة خيالية، كان بيتكلم عن جهاز غريب شبه الكمبيوتر وإن بمجرد ما لعب فيه، اتنقل لسنة 2006، وعلى حسب كلامه دي السنة اللي اتعرف فيها على سعاد مراته. وهبدأ أقرأ من أول ما باب الأوضة اتفتح ودخل منه جد طاهر.
لقيت جدي، بس الغريبة إنه ما كانش شايفني. حاولت أكلمه وأشاورله، لكن من غير فايدة. وفي اللحظة دي شفتني، أيوه شفت نفسي وأنا في سن الشباب، كنت بتكلم مع جدي عن سعاد وإنّي شفتها وعاوز أتجوزها.
كنت واقف بتفرج على الماضي، مش فاهم ده حصل إزاي ولا إيه الفايدة منه؟
وبعد ما خلصت كلام مع جدي، أو بمعنى أصح بعد ما خلص الشخص اللي قدامي الكلام، ساب جدي ومشي. ولقيت نفسي ماشي وراه، كان نفسي يروح مشوار معين، وهو ما خيبش ظني، أيوه راح وقابل سعاد. أول ما شفتها قصادي عايشة حسيت إني عاوز أجري عليها وأحضنها، عاوز أقولها وحشتيني وما تغيبيش عني تاني. كنت قاعد وسامع كلام الحب والغرام اللي داير، وبفتكر معاه كل لحظة عشتها مع حب عمري. ورغم إن الشاب اللي هو أنا في الماضي سابها ومشي، إلا إني فضلت باصص ليها ومتنح في ملامحها.
كان نفسي تحس بوجودي، لكن في اللحظة دي حصلت حاجة غريبة، لقيت واحد غريب ما أعرفوش جه وسلم على سعاد، كانت مبسوطة ومسك إيديها. عاوز أسألها وأقولها: مين ده؟
لكن هسألها إزاي؟ أنا مجرد شخص شفاف مش ظاهر. ولقيت الشخص ده أخدها ومشي، فضلت ماشي وراهم لحد ما شفتهم داخلين مع بعض شقة. دخلت وراهم وأنا بقول: يا رب خيب ظني. لكن سمعتها بتتكلم وبتقول:
_ طاهر ده أكتر شخص مغفل شفته في حياتي، تصور فاكر إني بحبه؟
= يا ستي، أهو واحد غني ومعاه فلوس، إحنا هنقلبه في القرشين وبعد كده هتخلعي منه وخلاص.
_ وساعتها هنتجوز يا عمر، مش كده؟
= آه طبعًا، طبعًا هنتجوز، هي دي عايزة كلام؟
كنت بسمع الكلام وأنا مصدوم، معقول.. معقول اللي أنا بسمعه ده؟ طب ليه؟ ده أنا حبيتك! لا، لا.. أكيد ده وهم، أكيد ده مش حقيقي.
شفتها داخلة معاه أوضة النوم، وما كنتش قادر أشوف أكتر من كده. مشيت وأنا منهار، كنت بعيط، بعيط على كل لحظة كنت مغفل فيها ومصدق إنها بتحبني.
رجعت تاني على بيت جدي، كنت بدور على الجهاز اللي نقلني للزمن ده، عاوز أرجع، مش عاوز أعرف حاجة تاني خلاص، هرجع أعيش حياتي اللي وقفتها بسبب واحدة خاينة.
لكن وأنا بدور، شفت الخدامة بتتسحب ورايحة ناحية المطبخ، ما كنتش عارف دي رايحة تعمل إيه؟ اتحركت وراها، لقيتها بتعمل القهوة، القهوة بتاعة جدي، بس هي كانت بتتسحب ليه؟.. لقيتها بتفتح كيس غريب وبتطلع منه مادة لونها أبيض وبتحطها لجدي في القهوة.
مش عارف إيه ده؟ وبعد ما خلصت وقدمت القهوة لجدي، لقيتها راحت لجدتي وبتقولها:
_ تمام يا ست هانم، عملت اللي طلبتيه مني.
= برافو عليكي، خليه بقى يموت ونخلص منه.
كنت واقف متنح ومش مصدق اللي بسمعه. دخلت على جدي المكتب بسرعة، كنت بحاول أمنعه إنه يشربها، لكن لقيت جدي بيصنع الجهاز اللي نقلني للعالم ده!.. وفي اللحظة دي دخل من الباب طاهر الشاب وقال:
_ أنا حددت ميعاد مع سعاد عشان نروح نزورهم في البيت يا جدي، دورك بقى تقنع بابا.
= حاضر يا سي طاهر، بس سيبني أركز عشان أخلص الجهاز ده.
_ ده جهاز إيه ده يا جدي؟
= دي تجربة لو نجحت، هتكسر الدنيا، بس إدعي تنجح.
ولقيت جدي بيمسك كوباية القهوة، وهيشرب منها، كان لازم أتصرف. حاولت أتكلم وأصرخ، لكن ما فيش فايدة، بس لما حاولت أزق كوباية القهوة من إيده، اتزقت فعلًا ووقعت. ووقتها لقيت الجهاز بينور وفجأة.

تعليقات
إرسال تعليق
مرحب بكم في مدونة معرض الرويات نتمنه لكم قراء ممتعه اترك5 تعليق ليصلك كل جديد