القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الة الزمن الفصل الثاني2 محمود الامين

رواية الة الزمن 
الفصل الثاني2
 محمود الامين 
فتحت عينيا لقيت نفسي قاعد قدام الجهاز، بس المرة دي حاسس بنفسي، بصيت على ديكور الأوضة وعرفت إني رجعت تاني لسنة 2025، انا حاسس إن دماغي مشوشة، مش عارف أركز، قعدت على الكرسي وانهرت من العياط.
ما كنتش مصدق إن الست اللي حبيتها واتجوزتها وخلفت منها، تطلع بالبشاعة دي، كانت متجوزاني عشان الفلوس وعارفة عليا واحد.
بس سألت نفسي سؤال.. أنا وسعاد اتجوزنا وعشنا مع بعض سنين كتير، مابعدتش عني ولا طلبت الطلاق، وحياتنا كانت مستقرة وجميلة.
يعني اللي حصل في الواقع متنافي مع الماضي.
ده غير جدتي اللي كانت عايزة تموت جدي، وأنا للأسف مش عارف السبب.. أنا لازم أرجع تاني، لازم أعرف إجابة على الأسئلة اللي بتدور في عقلي، وإلا ممكن تحصلي حاجة.
رجعت أضغط على نفس الزراير تاني، بس الجهاز ما اشتغلش، حاولت كتير أشغله لكن ما ينفعش، كنت مش عارف أتصرف إزاي؟.. والفضول كان هيموتني.. رحت على السرير ورميت جسمي عليه ورحت في النوم، كنت تعبان نفسياً وجسدياً.. ودعيت على نفسي إني أنام وما أصحاش.
قفلت المذكرات، وكانت رجالة المعمل الجنائي خلصوا شغلهم، وجات الإسعاف واتحطت الجثة في الكيس البلاستيك المخصص للجثث عشان تتنقل للمشرحة، ولقيت أدهم وده يبقى واحد من رجالة البحث الجنائي.
قرب مني واتكلم وقال:
_ إنت عارف إن نظرتي عمرها ما خابت، الراجل ده هيطلع ميت مسموم.
= وإنت عرفت منين؟
_ دي خبرات يا باشا، وهتشوف إن أنا كلامي هيطلع صح.
= هنشوف يا أدهم.
_ مالك يا باشا، حضرتك كويس؟
= والله ما عارف أقولك إيه، المجني عليه أو المتوفى سايب مذكرات فيها كلام غريب جداً، كلام كنا بنسمعه زمان في الروايات بتاعت الأساطير.
_ طب ما يمكن يا باشا يكون مريض نفسي ولا حاجة، ومألف الكلام ده كله من دماغه.
= كل حاجة هتبان يا أدهم، اتكل إنت على الله، وأنا هرجع على المكتب، وهستنى تقرير المعمل الجنائي وتقرير الطب الشرعي، وربنا يسهل الحال
رجعت المكتب وأنا معايا المذكرات، طلبت من عامل البوفيه يعمللي كباية قهوة، وقعدت على المكتب عشان أكمل المذكرا
قمت من النوم على صوت صفارة، ولقيت الجهاز بينوّر نور أزرق، قربت منه وأنا مش فاهم حاجة، لكن اللي حصل إني حسيت بنفس الدوخة ووقعت على الأرض.. فتحت عينيا على صوت دوشة وصوت عيال صغيرة.. كنت واقف في مكتب، وعلى المكتب مكتوب: نورهان سامي.. مديرة الملجأ.
ملجأ؟!.. أنا مش فاهم حاجة، وبعدين الديكور ده قديم جداً، هو إحنا سنة كام؟.. خرجت بره المكتب عشان ألاقي ورقة متعلقة وفيها كلام كتير، الكلام ما كانش مهم، لكن المهم هو التاريخ:
11/4/1990
إزاي؟.. طيب أنا بعمل إيه هنا؟... وقتها لمحت طفل كان واقف بيبص عليا من بعيد، الطفل ده أنا عارفه كويس، ده أنا وأنا صغير.
بس أنا ما تربتش في ملجأ، أنا كان ليا أب وأم.. بس ما لحقتش أكمل الكلمة، وشفت واحد وواحدة داخلين على مكتب مديرة الملجأ، دول أبويا وأمي.
دخلت وراهم وأنا مش فاهم حاجة، ولقيت أبويا بيتكلم وبيقول:
_ إحنا هناخد طاهر، بصراحة من أول ما شفناه وهو دخل قلبنا.
= طاهر من الأطفال الهادية هنا، ومش بيعمل مشاكل خالص، وأنا متأكدة إنكم هتوفروله العيشة الكريمة وهتعملوه معاملة كويسة.
_ أكيد طبعاً يا فندم.
كنت واقف على الباب وسامع الحوار اللي داير، ومش مصدق ومش عايز أصدق.. أنا لقيط وكنت متربي في ملجأ، طب إزاي؟
أبويا وأمي خلصوا كل الإجراءات وأخدوني ومشيوا، مسكت دماغي من الصداع، خلاص مش قادر أستحمل الصدمات، ولقيت نفسي بدوخ وبقع على الأرض... فتحت عينيا لقيتني واقع على الأرض قدام الجهاز، وأول حاجة عملتها إني مسكت الجهاز وحاولت أكسره، لكن اللي حصل كان مخيف، أول ما رميت الجهاز على الأرض حسيت بألم رهيب في إيدي، والعروق منها نفرت بشكل مش طبيعي.
مسكت الجهاز ورجعته تاني مكانه، وحاولت أفهم حاجة من الزراير الكتير اللي قدامي، تركيز أخد مني وقت كبير لحد ما فهمت وضغطت على زرارين بس: 2006، و2025.
وقتها الجهاز نوّر من تاني، ولقيت نفسي رجعت تاني لمكتب جدي، واللي كان قاعد وبيصنع الجهاز لسه، طلعت من الأوضة وشفتني خارج من البيت، خرجت عشان أشوف طاهر الشاب رايح فين؟
لحد ما وصل لمكان، ولقيته قابل سعاد، كان بيقولها إنه فاتح جده في الموضوع، وفي ظرف يومين هيجي يتقدملها، كان نفسي أتدخل وأقوله: يا مغفل، وكان نفسي أواجهها بكل حاجة عملتها، كان نفسي أنتقم منها.
بس فضلت واقف أتفرج على الفرحة اللي في عينيها، وبسأل نفسي: إزاي الإنسان ممكن يكون بالبشاعة دي؟.. إزاي يقدر يزيّف المشاعر ويلعب على كذا وتر؟ هو إحنا قلوبنا لعبة؟
وبعد ما خلص طاهر ومشي، كالعادة قابلت عمر، بس المرة دي فاجأته بخبر ماكانش متخيل إنه ممكن يسمعه:
_ عمر، أنا حامل.
= نعم يا أختي! حامل!.. حامل من مين إن شاء الله؟
_ إنت اتجننت؟ إنت الشخص الوحيد اللي أنا عملت معاه علاقة.
= لا والله! وانتي فاكراني هصدق الكلام ده مش كده؟
_ أيوه طبعاً، لازم تصدق.
= بقولك إيه، روحي شوفي إنتي غلطتي مع مين.. وبلاش تجيبي سيرتي مع أي حد.
_ أنا عمري ما كنت أتخيل إنك بالقذارة دي.
= واديك عرفتي، وباي باي بقى يا أمورة عشان وقتك خلص.
قام عمر من مكانه وسابها ومشي، وانهارت في العياط، لكن فجأة سمعت سعاد صوت عربية بره بتضرب حد، خرجت تجري من الكافيه، ووقتها شافت عمر غرقان في دمه، أيوه عمر مات.
مش عارف أفرح ولا أزعل.. أفرح إزاي في موت بني آدم؟.. سعاد نزلت على الأرض وأخدت عمر في حضنها وفضلت تصرخ وتلطم.
سبتها ومشيت، ورجعت من تاني على بيت جدي، وأول ما دخلت البيت شفت أبويا وأمي قاعدين، وكان قاعد معاهم جدي وبيحاول يقنعهم بجوازي من سعاد.
فردت أمي عليه وقالت:
_ أنا مش برتاح للبنت دي، مش شبهنا، ولو على الجواز أنا أجوزه ست ستها.
فرد عليها جدي وقال:
= هو اختارها هي، وهو اللي هيتجوز.. بلاش تجبروا الولد على حاجة وبعدها ترجعوا تندموا، وإنتوا عارفين كويس.. ابنكم عنيد.
ولتاني مرة ألاقي الخدامة بتنزل فنجان القهوة لجدي، وزي ما عملت المرة اللي فاتت، عملتها المرة دي، زقيت فنجان القهوة وهو على الكرسي.
ومعاها الدنيا ضلمت.
قفلت المذكرات على صوت رنة تليفوني، واللي كان بيتصل شريف، دكتور الطب الشرعي وهو صديق شخصي، رديت عليه:
_ ألو، أيوه يا باشا.. المؤشرات الأولية بتقول إنه في شبهة جنائية في موت طاهر، أنا لسه ما كملتش تشريح، بس هنشوف النتيجة النهائية.
= خلاص، خلص التشريح، وهستنى منك التقرير.
_ تمام يا باشا، مع السلامة.
قفل معايا الدكتور شريف، وأنا بصراحة كنت جايب آخري، رميت جسمي على الكرسي ورحت في النوم، وصحيت على صوت الأمين اللي كان بيبلغني إن في واحد اسمه كمال عاوزني بره.
طلبت منه يدخله، دخل والد طاهر، وكان باين عليه إنه تعبان، طلبت منه يقعد، واتكلم وقال:
_ في جديد ولا لسه التقرير ما طلعش؟
= لا، لسه الجثة بتتشرح، وإن شاء الله التقرير هيكون معانا بكرة الصبح، وبمجرد ما نخلص، تقدر تخلص تصريح الدفن.
بس في حاجة كده أنا عايز أقولها.
_ خير يا باشا؟
= أنا لقيت المذكرات دي، بخط إيد ابنك طاهر، ربنا يرحمه، كاتب فيها كلام غريب عن جهاز بيخلي الناس تسافر عبر الزمن، وبيقول إنه رجع للماضي وشاف حاجات.
_ فين المذكرات دي؟
= أهي، اتفضل.
مسك الراجل المذكرات وفتحها، وما فيش خمس دقايق وطلب مني إننا نروح بيت جد طاهر بسرعة، ما كنتش فاهم السبب، بس اتحركت معاه.
ولما وصلنا، دخل نفس الأوضة اللي اتوفى فيها طاهر واللي كان فيها أجهزة كتير، لحد ما وصل لجهاز، وأول ما بص عليه صرخ ووقع من طوله.
سندته بسرعة، واتحركت بيه على أقرب مستشفى، ولما وصلت هناك عرفت إن عنده صدمة عصبية حادة، ما كنتش فاهم إيه اللي حصل للراجل.
لكن في الوقت ده تليفوني رن، واللي كان بيتصل أيمن، رديت عليه:
_ أيوه يا باشا، التقرير طلع.
= إيه اللي موجود في التقرير يا أيمن؟
ووقتها قال أيمن الكلام اللي أنا متوقعه.

تعليقات