القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة اسرار المقابر الفصل الاول1بقلم محمود الامين

قصة اسرار المقابر
الفصل الاول1
بقلم محمود الامين
مين فينا مزارش المقابر قبل كده؟ أكيد كلنا زورنا المقابر، وفي ناس لما بتروح هناك بتتَّعِظ، بتشوف آخرتها قدام عينيها، حفرة متر في متر، وجسمك فيها هيتمدَّد، ولا هينفعك مال ولا بنون.
وأول ما هتدخلها هيبدأ حسابك، وهتندم أشد الندم على أفعالك.
لكن تعملوا إيه في اللي اتفرض عليه يشتغل شغلانة التُّربي، والحارس بتاع المقابر؟
يا ترى هتعدي معاه؟ ولا هيشوف حاجات ماحدش شافها قبل كده
_ يا عم بسطاوي، أنا بشوف حاجات غريبة كل ما بنزل قبر عشان أدفن جثة، بشوف الجثث بتتحرك، وبسمع أصوات هَمس غريبة، أنا مش عارف إيه اللي بسمعه ده، الصوت مش بيكون واضح، بس بيخوِّف.
= يا عدنان يا ولدي، بتفكرني بأبوك في أول يوم شغل هنا، كان خايف زيك كده بالظبط، بس عاوز أقولك إن ده الوضع الطبيعي، إحنا بنتعامل مع أموات، وإنت أكيد خايف إنك بتتعامل معاهم، فبتتخيل إنك بتشوفهم بيتحرّكوا، وإنك بتسمع صوتهم.
_ لا مش بيتهيألي، ولا بتخيل، طيب ده أنا سمعت واحد منهم امبارح نادَى عليا باسمي!
= أنا شفت أكتر من كده، بس أنا عارف إني بتعامل مع أموات، فده طبيعي. ...
حسيت إن الكلام مع عم بسطاوي من غير فايدة، فسيبته ورجعت على البيت..
البيت فِضي عليا أوي من بعد أبويا ما مات، وأمي الست القعيدة دي..
اتمنيت لو يرجع الزمن، وأنا اللي أموت.
دخلت أوضتي، ورميت جسمي على السرير ونمت، لكني صحيت على صوت حد بينده عليا باسمي.
لما فتحت عينيا، شفت واحد قدامي، كان من غير عينين، ومكانهم بينزف دم، وقال بصوت مهزوز:
"رجعلي عينيا، رجعهم تاني."
جيت أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لكن في اللحظة دي لساني اتعقد، وجسمي اتخشب، ولقيت باب الأوضة بيتفتح براحة، واللي دخل منه نشّف الدم في عروقي.. عشان
طيب أنا مين؟
أنا عدنان مختار السعدي، شاب زي أي شاب، بيدرس في كلية تجارة، والحمد لله مستوايا الدراسي كان كويس.
عايش مع أبويا وأمي.
أبويا، الحج مختار السعدي، بيشتغل شغلانة صعبة شوية، بيشتغل تُربي، وحارس للمقابر.
وطبعًا اللي جه في بالكم إننا ساكنين في أوضة في أول المقابر، وحالتنا صعبة، بس في الحقيقة: لأ.
المقابر عندنا مساحتها كبيرة، وعشان كده أبويا بيشتغل 12 ساعة، وعم بسطاوي بيبدله، وبيمسك 12 ساعة.
وهما الاتنين مسؤولين عن دفن الجثث، وكمان حماية المقابر من الحرامية اللي بيسرقوا الجثث.
وأقدر أقول إن العيشة كانت تمام، ومستقرة جدًا، لحد ما حصلت حاجة قلبت حياتنا من راحة لبهدلة، وتعب، وأيام سودة. ...
يومها أنا كنت تعبان، درجة الحرارة عندي وصلت لـ39، وكنت بموت.
وأبويا كان عاوز ينزل يتصرف في دكتور، بس الساعة كانت 1 بعد نص الليل، والوقت متأخر على إنه يلاقي دكتور، ورغم ده نزل عشان يشوف دكتور، كان بيحاول يتصرف، وقال حتى: "أتصرف في عربية أوديك بيها المستشفى."
بس اتأخر، وده خلانا نقلق، أنا وأمي.
وكان عندنا حق نقلق، عشان بعد ساعة نسمع أكتر خبر مفزع، وده لما الباب خبط، واللي كان واقف عليه واحد من الشارع، وقال إن بابا وهو بيعدي الشارع، في عربية سريعة عدت وخبطته، وتوفى في نفس اللحظة.
أنا وأمي ما كناش مصدقين خبر موته.
أمي فضلت تصرخ، لحد ما وقعت من طولها، وأنا كنت عاجز عن الكلام.
اتنقلت أمي للمستشفى، بعد ما قدرت أتمالك نفسي وأطلب الإسعاف.
وللأسف، هناك أخدت تاني صدمة، لما الدكتور اتكلم وقال:
_ للأسف، والدة حضرتك اتصابت بشلل نصفي نتيجة الصدمة العصبية الحادة اللي اتعرضت لها، بس اطمن، دي حالة عارضة وهتروح لحالها. ...
كنت ساكت، مش عارف أرد على الدكتور.
سبته، ورحت على المشرحة عشان أشوف أبويا لآخر مرة.
كشفت وشه، وفضلت أعيط زي العيال الصغيرة.
مهما اتكلمت، مش هقدر أوصف إحساس فقد الأب عامل إزاي؟
الدكتور قومني، وكان بيطلب مني إني لازم أتماسك عشان أعرف أعدي الأزمة دي على خير.
وبصراحة، هو وقف جنبي، لحد ما خلصت كل إجراءات الدفنة، وادفن أبويا، وبقى جثة وسط آلاف من الجثث اللي كان بيدفنها طول عمره اللي فات.
عدت عليا أيام صعبة، وأنا شايف أمي قاعدة على كرسي بعجل، ومش لاقي أبويا يسندني كالعادة.
كنت حاسس إني ضعيف.
بس لما عدى الوقت، لقيت نفسي شخص مسؤول.
مين هيصرف عليا وعلى أمي؟
وطبعًا، كان لازم أشتغل عشان أقدر أصرّف.
لكن كل السكك كانت متقفلة في وشي.
كل ما كنت أروح أدور على شغل، كنت أترفض.
وده بسبب إني لسه بدرس.
وفي يوم، لقيت باب البيت بيخبط.
ولما فتحت الباب، كان واقف قدامه عم بسطاوي، الراجل اللي كان شغال مع أبويا الله يرحمه، وكان واقف معايا في كل حاجة الفترة الأخيرة.
طلبت منه يدخل، وفعلاً دخل، وقعد معايا، وبدأ الكلام:
_ وبعدهالك يا عدنان يا ولدي، هتفضل قاعد في البيت كده زي الولية؟
= والله يا عم بسطاوي، أنا دورت على شغل، بس للأسف مافيش.
_ وتدور ليه على شغل؟ ما شغلانة أبوك موجودة، وإنت ابنه الوحيد، ما تمسكش ليه مكان أبوك؟
_ لا يا عم بسطاوي، أنا مش هشتغل تُربي.
= ومالهم، لا مؤاخذة، بتوع التُرب؟ ما إنت أبوك كان شغال الشغلانة، وأنا أهو شغال الشغلانة، وبنكسب الحمد لله، من عرق جبينه.
_ مش قصدي يا عم بسطاوي، بس أنا الشغلانة دي مش هتنفع معايا.
= إنت مش مخيَّر، إنت لازم تصرف على نفسك، وعلى الست اللي جوه دي، ومن غير شغل، هتفضل كده عاطل، ولا هتعرف تصرف على والدتك، ولا على نفسك، وهتموتوا من الجوع.
فكر في الكلام كويس يا عدنان، وإنت حر. ...
خرج عم بسطاوي من عندي، وفي الليلة دي فضلت صاحي ما نمتش، بفكر هعمل إيه؟
أقبل الشغلانة وخلاص؟ ولا أستنى شوية؟
وبعد تفكير كتير، أخدت القرار إني هوافق.
ونزلت بعد ما نزل، ورحت واتفقت معاه على الشغل، وبقيت أنا ماسك وردية النهار، وهو ماسك وردية بالليل.
وقت ما الدنيا بتكون هادية، بيكون معايا سلاح عشان لو حد فكّر يسرق جثة.
كنت خايف في البداية من الشغلانة، لكن بدأت أتعوّد، وكنت عايش على سُمعة أبويا النضيفة.
أبويا اللي كان مانع الدجالين، وتجار الأعضاء، من سرقة الجثث، ودفن الأعمال.
لحد ما في يوم، اتأخر عم بسطاوي عن ميعاده، واتصل بيا، وقال:
"معلش، هتأخر عليك ساعتين، عشان عندي ظروف في البيت."
طبعًا وافقت من غير كلام، رغم إني كنت متوتر، عشان دي أول مرة أمسك فيها شغل بالليل.
وكملت، لما لقيت جنازة داخلة عليا، والمفروض إني هنزل القبر دلوقتي عشان أدفن الجثة.
استنيت الجنازة لما توصل، وفعلاً فتحت القبر، ونزلنا الجثة.
لكن لما نزلت القبر المرة دي، كنت خايف، مش عارف ليه!
عندي إحساس بالرهبة، واللي زوَّد خوفي أكتر، إني شفت الجثث بتتحرك!
مش كده وبس، ده أنا سمعت صوت هَمس، ماكانش مفهوم.
فضلت أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وما صدقت إني ريَّحت الجثة على الأرض، وخرجت بسرعة.
كنت باخد نفسي بالعافية، بس ماحدش خد باله، كله كان ملهي في المتوفي.
لحد ما جه عم بسطاوي، وقلت إني لازم أكلمه، وهقوله:
أنا شفت ده كتير، عشان أحاول أقلقه، يمكن يفهمني إيه اللي شُفته ده. ...
_ يا عم بُسطاوي، أنا بشوف حاجات غريبة كل ما بنزل قبر عشان أدفن جُثة، بشوف الجُثث بتتحرك وبسمع أصوات هَمس غريبة، أنا مش عارف إيه اللي بسمعه ده، الصوت مش بيكون واضح، بس بيخوّف.
= يا عدنان يا وِلدِي، بتفكرني بأبوك في أول يوم شُغل هنا، كان خايف زيك كده بالظبط، بس عاوز أقولك إن ده الوضع الطبيعي. إحنا بنتعامل مع أموات، وإنت أكيد خايف إنك بتتعامل معاهم، فبتتخيل إنك بتشوفهم بيتحركوا، وإنك بتسمع صوتهم.
_ لا، مش بيتهيألي ولا بتخيل، طيب ده أنا سمعت واحد منهم إمبارح بينادي عليّ باسمي!
= أنا شُفت أكتر من كده، بس أنا عارف إني بتعامل مع أموات، فده طبيعي.
حسّيت إن الكلام مع عم بُسطاوي من غير فايدة، فسيبته ورجعت على البيت.. البيت فِضي عليّا أوي من بعد أبويّا ما مات، وأمي الست القعيدة دي.. اتمنيت لو يرجع الزمن وأنا اللي أموت.
دخلت أوضتي ورميت جسمي على السرير ونِمت، لكني صحيت على صوت حد بينده عليّا باسمي.
لما فتحت عينيا، شُفت واحد قدامي كان من غير عينين، ومكانهم بينزف دم، وقال بصوت مهزوز:
"رجّعلي عينيّا.. رجّعهم تاني!"
جيت أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لكن في اللحظة دي لساني اتعقّد وجسمي اتخشّب، ولقيت باب الأوضة بيتفتح براحة، واللي دخل منه نشّف الدم في عروقي..
عشان اللي دخل كان أبويّا! بس كان منظره مُقرف، وشه كان مُتحلّل وجسمه مليان دود أبيض، وريحته مُقرفة أوي.
كان بيقرّب مني، فحاولت أقوم عشان أهرب، لكن وقتها اكتشفت الصدمة.

تعليقات