
قصة حالة من المصحة النفسية
الفصل الاول1
بقلم هنا عادل
هحكيلكم حكايات مش حكاية واحدة، حكايات لحالات قابلتهم فى ابشع مكان ممكن ييجي على بالكم، حالات قابلتها فى المصحة النفسية، اه انا دكتور، دكتور اتعين فى مستشفى نفسية وعصبية لأول مرة يشتغل فى حياته، الواسطة بعد التخرج كانت سبب فى اني اتعين فى المستشفى دي، تخصصي بقى، ورغم اني كنت بنزل تدريب مع زمايلي فى مصحات لكن...لكن مقدرتش اعيش الحكايات غير لما بقيت متعين رسمي، بقيت دكتور، وياريت لو يرجع بيا الزمن واغير رغبتي فى دخول كلية الطب من الاساس، هحكيلك عن المرضى اللى صادفت فيهم، حكايات مش طويلة، لكن كانت اغرب من انها تكون حقيقية، وهتبدأ الحكاية مع رغدة، رغدة اللى قابلتها شايلة عروسة صغيرة فى حضنها ليل ونهار مش بتفارقها، ولما تابعت الحالة علشان عرفت انها موجودة فى المصحة من وقت طويل ومفيش تحسُن ولا فيه حد بيسأل عنها، ابتديت اتعرف عليها بنفسي، وابتديت اتابع جلسات علاجها شخصيا، وفى مرة من المرات اللى حاولت كتير اخليها تتكلم معايا لقيتها اتكلمت بهدوء وعقل وقالت:- عايز تسمع حكايتي؟
ابتسمت:
- رغدة! ما انتي هادية اهو وبتعرفي تتكلمي، انا كنت فاكر انك مش بتتكلمي، اصل كل ما اتكلم معاكي الفترة اللى فاتت مش بتردي عليا.
قالت رغدة بنفس الهدوء ونظرات ثابتة:
- عارفة انك هتفضل ورايا لحد ما تعرف الحكاية، هتعرفها وهتحصل الدكاترة اللى سبقوك.
استغربت:
- يعني ايه؟ مش فاهم معنى هحصل اللى سبقوني! انتي هتقتليني ولا ايه؟
قولتها وضحكت، لكن هي لسة بنفس الثبات بترد عليا وبتقول:
- هتقول ان الحالة مفيش فيها تحسُن، وهتسيبني لجلسات الكهربا، وهتدور على حالة غيري تتابعها ويبقى عندك امل فيها.
استغربت الهدوء والثقة اللى بتتكلم بيها واقتناعها بأني هتصرف زي اللى اتصرفوا بيه الدكاترة اللى قبلي، مكنتش عارف سبب قناعتها دي، علشان كده رديت عليها بنفس ثباتها:
- قراري انا اللى هتخذه يا رغدة، مش انتي ولا حد من الزملا اللى هيحدد قراري، تقدري تتكلمي معايا وتقولي كل حاجة، انا هسمعك.
رغدة ابتسمت بأستهزاء وكأنها بتقولي:
- عارفة النهاية.
اتكلمت علشان اطلعها من سرحانها فيا ووساوس عقلها:
- يلا اتكلمي، انا سامع.
اتكلمت رغدة:
- شوفت بنتي؟
بصيت للعروسة اللى فى ايديها:
- شوفت العروسة.
رغدة:
- دي بنتي، دي سلمى.
رديت:
- انتي عايزة تقنعيني انك لسه بنفس حالتك من وقت دخولك هنا؟ انا عايز اعرف تطور الحالة اللى انتي وصلتي له.
ابتسمت تاني وقالت رغدة:
- بنتي سلمى، سلمى اللى ابوها قرر يبعدها عني، رجعتلي تاني، رجعت لحضني بعد ما قرر هو انه يحرمني منها.
اتعدلت فى القاعدة ونزلت رجلي اللى كانت فوق الرجل التانية وقلعت نضارتي وقولت:
- رجعتلك ازاي؟ وليه قرر انه ياخدها منك؟ عملتي ايه يخليه يحرمك منها؟
ردت رغدة:
- ولا اي حاجة، كل اللى عملته اني قعدت من شغلي، سيبت الشغل علشان ابقى فاضية لبنتي بعد حماتي ما ماتت..اصل كنت بسيب البنت مع حماتي وانا فى الشغل.
رديت عليها:
- قصدك انه عاقبك علشان سيبتي شغلك بأنه اخد منك البنت؟
قالت رغدة:
- هقولك الحكاية، اصل انا ماليش حد غير ربنا، طلعت على وش الدنيا لقيت نفسي من غير ام ولا اب، ماليش اهل او معرفش مين هما، كبرت وانا فى ملجأ، مسألتش انا لقيطة ولا يتيمة؟ فى كل الاحوال انا عايشة فى ملجأ عيشة اتمنى محدش يعيشها، اللى اعرفه اني اسمي رغدة ابراهيم السيد عمارة حسنين، اللى اتقال زمان اني اكيد مش بنت حر...ام والا مكانش هيبقى ليا شهادة ميلاد! وفي نفس الوقت كان احيانا يتقال وارد اكون مش بنت حلال ولما فشلوا فى انهم يقنعوا اللى عمل العملة يعترف بالنسب...رموني عند الملجأ مع شهادة ميلادي، شهادة كانت طالعة من مكتب صحة فى اسوان..فى الصعيد، وانا عايشة فى اسكندرية من صُغري، فى مرة قالت مديرة الملجأ لما كبرت وجالي عريس:
- لما سألنا عن أسم الوالد فى مكتب صحة اسوان...قدرنا نوصل ان اللى كتب البنت مش من أسوان اصلا، وان شهادة الميلاد طلعت بالرشوة، محدش قدر يفيدنا بأكتر من كده، محدش يعرف مين صاحب الاسم اللى فى الشهادة ده؟ ولا نعرف اصله منين حتى؟ يمكن بس حد حب يكسب فيها ثواب وميسيبهاش من غير اسم.
رديت على رغدة:
- وانتي محاولتيش تسألي؟
ردت رغدة بهدوء:
- واسأل ليه؟ ما هو لو ليا اهل يبقى مكانوش هيرموني من البداية، حتى لو يتيمة فعلا زى ما فيه احتمالات لكده...كانوا هيسلموني للملجأ ويبلغوا انهم مش هيتحملوا مسؤليتي، لكن سابوني على باب الملجأ، مع شهادة ميلاد من مكتب صحة بينا وبينه ساعات طويلة، وتطلع كمان الشهادة طالعة بالرشوة! عايز ايه تاني يقول ان ولادتي كان مش مرغوب فيها؟
كانت بتتكلم بمنتهى الثبات، بمنتهى العقل والهدوء، كانت رغم ثباتها وهدوئها واتزانها...الا ان العروسة لسه فى حضنها وبتتعامل كأنها جزء منها، هنا اتكلمت وقولت:
- كملي.
قالت رغدة وهي بتطبطب على العروسة..(سلمى):
- كبرت واتعلمت ودخلت المدرسة ووصلث للثانوية كمان وانا في الملجأ، طول عمري مكنتش بعرف اعمل اصحاب، كنت بسمع الكلام ومطيعة لأبعد الحدود، كنت حابة التعليم ومقتنعة انه صاحبي الوحيد، وعلشان كده كنت بذاكر حتى لو مش في فترة الدراسة...لحد ما في يوم وانا نايمة لقيت المُشرفة بتصحيني...
قالت ليا:
- رغدة، تعالي ماما رقية عايزاكي.
فتحت عيني واتوترت:
- ليه؟ انا عملت حاجة؟
ردت عليا وقالت:
- لاء، متخافيش، تعالي بس وانتي تعرفي.
صحيت من نومي وانا مرعوبة، روحت اوضة ماما رقية مديرة الدار، كانت قاعدة على مكتبها زي عادتها، قالت اول ما دخلت:
- تعالي يا شطورة، التلميذة النجيبة.
روحت وقفت قدامها بالظبط، قالت ليا:
- اقعدي يا رغدة.
قعدت قصادها وقولت:
- في ايه يا ماما رقية؟ انا عملت حاجة؟
ردت عليا وقالت وهي بتضحك:
- لاء، انتي بس شاطرة، شهادتك طلعت ونجحتي، وجه دور قرار مهم.
فرحت واترسمت على وشي سعادة الدنيا، سألتها:
- بجد؟! انا نجحت؟
قالت ماما رقية:
- شوفي يا رغدة، انتي كبرتي فى المكان ده، واحنا عملنا معاكي كل اللى الاهل كانوا ممكن يعملوه مع بنتهم، ودلوقتي جه دورك بقى.
استغربت الكلام، مكنتش فاهمة قصدها، سألتها:
- انا هعمل اي حاجة حضرتك تطلبيها مني يا ماما رقية، انا عارفة ان الدار وكل اللى فيه بيتي وعيلتي.
ماما رقية قالت:
- طبعا انتي المفروض انك تدخلي كلية...
قاطعتها بفرحة:
- امنية حياتي...
قاطعتني هي وقالت:
- بس احنا كدار..مش هتكون من امكانياتنا اننا نكمل تعليمك انتي وزميلاتك اللى نجحوا لدرجة الكلية، احنا كده وقفناكم على بداية الطريق.
فى اللحظة دي الفرحة اتخطفت مني، كنت لسة هرد لكن هي قالت:
- قدامك حل غير الكلية، هيفيدك ويفيدنا، وبرضو هتتعلمي منه كتير.
سألتها انا كدكتور:
- وايه بقى اقتراحها؟
ردت عليا رغدة وقالت:
- لقيت ماما رقية بتقولي..
- بصي يا رغدة، انا هقدملك انتي وزميلاتك اللى نجحوا فى معهد التمريض، دي هتكون شهادة فوق متوسطة، وهتكون معاكي خبرة فى مجال مفيش استغناء عنه، وكمان هتشتغلي بسهولة من وانتي بتدرسي...والفلوس بتاعتك هتساعدي بيها اخواتك هنا انهم يتعلموا زيك برضو، ده دورك وواجبك ناحية الدار واللي فيه.
بعد كلام كتير من ماما رقية فهمت منه اني هعمل كده شئت ام ابيت، وان دي هتكون شهادة برضو اعلى من الثانوية وهيكون مؤهل مسيره في يوم يساعدني اكمل تعليمي فى كلية بسهولة..لقيت نفسي بقول:
- اللى حضرتك تشوفيه يا ماما رقية انا هعمله.
اكيد مسيري اطلع من الملجأ لما يبقى عمري 21 سنة، لازم اطلع وانا عارفة هعمل ايه بعد المكان ده؟ مش اطلع واضيع فى الشوارع، وعلشان كده اقتراح ماما رقية مكانش وحش لأنه هيعلمني مهنة، وهيخليني معايا فلوس، يعني اقدر اعمل لنفسي مكان لما امشي من الملجأ علشان اعيش فيه..ودخلت معهد التمريض وكل حاجة كويسة وبسيطة، درست واشتغلت فى مستشفى حكومي وانت عارف قبض الحكومي وحوافز وبدلات ومنح...يعني كنت باخد فلوس كويسة، اه مكنتش بتهنى بيها علشان الدار وماما رقية مش بيسيبولنا فلوس، لكن كنت عارفة اني وقت ما اكمل سن خروجي من الملجأ...خلاص هعرف اعيش.
رديت على رغدة وانا مبسوط بتفكيرها وقوتها رغم الوضع اللى هي فيه، تعايشها مع ظروفها اكدلي انها شخصية مش ضعيفة:
- انتي هايلة يا رغدة، قوية وشاطرة.
كملت رغدة من غير تعليق على مدحي ليها وقالت وهي بتضم العروسة لحضنها:
- في يوم لقيت ماما رقية مستنياني على بوابة الدار وانا راجعة من وردية سهر واستغربت من وقفتها.
رديت على رغدة:
- ومستنياكي ليه المرة دي؟
قالت رغدة:
- جالك عريس يا رغدة، عريس قابل بكل ظروفك.
فرحت مجرد ما سمعت الكلمة، عريس؟! بظروفي؟ بحياتي وعيشتي الغريبة دي؟ سألتها:
- ليا انا؟ مين؟ وازاي؟
ردت وهي بتضحك:
- شاب زي الفل..
فرحت اكتر:
- شاب؟ صغير يعني؟ مش راجل عجوز ولا اكبر مني بكتير؟
ردت ماما رقية:
- لاء ياختي، شاب يفرح، شافك في المستشفى، امه كانت محجوزة في قسم العظام عندكم.
حاولت افتكر:
- مين دي؟ وامتى؟ ومقاليش ليه؟ وعرف منين اني هنا؟
ردت عليا وقالت:
- من شهرين، كنتي بتمرضي امه فى وردية النهار، شافك وعجبتيه، سأل عليكي وكان مستني امه تطلع من المستشفى، اول ما فاتحها وافقت...بس فيه حاجة...
قلقت، وقولت:
- لازم يبقى فيه حاجة...فى ايه؟
قالت ماما رقية كل ده واحنا واقفين على باب الدار:
- هتفضلي فى شغلك، هتساعديه فى العيشة، وهتساعدي اخواتك هنا برضو، وهتعيشوا مع امه علشان هي تعبانة ومغيرة مفصلين، يعني هتحتاج اللى يساعدها مش اللى يسيبها لواحدها...بس الولد يا رغدة زي الفل، يفرح القلب.
مفهمتش اللى قالته ده حلو ولا وحش؟ معرفتش المفروض اتناقش فيه ولا اقبله زي ما هو؟ معرفتش هل المفروض ارفض طيب او اقول افكر ولا لاء؟ لحقتني هي وقالت:
- الولد قال عليكي مؤدبة ومحترمة وجميلة، اول ما شافك وقع فيكي علطول، بس محترم وابن اصل، رغم ظروفك ووضعك الا انه دخل الملجأ من بابه..طلبك مني، ما هو انا اهلك بقى.
حسيت ان قصدها تفهمني اني ماليش لا اهل ولا بيت، وبتفهمني ان اللى زيي مش سهل حد يعرفهم علشان يتجوزهم علطول، اللى فى ظروفي تنفع للتسلية لكن مش للجواز، وده قالته بوضوح فى الجملة دي:
- اللى بييجي يناسب بيدور على النسب والاصل، ولو مدورش هو...امه بتدور واهله واللي وراه، تخيلي بقى يا رغدة يبقى عريسك ابن اصل وله ناس واهل...واول ما شافك شاف فيكي مراته وست البيت اللى هيخلف منك، مشغلش باله بأصلك وفصلك وحياتك...
حسيت انها بتعايرني، رديت عليها وقولت:
- انتي زي ما قولتي يا ماما رقية، امي وعيلتي كلها، اللي فى مصلحتي اكيد هتعمليه.
وفعلا اتقابلت مع سليم وطنط ماجدة، امه، كان وسيم، اكبر مني ب4 سنين، ولد واحد بس عندها وعايش معاها وروحهم فى بعض، علاقتهم جميلة وحسيت بالنقص اللى جوايا بيصحيني لحياتي اللى عيشتها من غير الحنية والحب دول، الغريبة انهم كانوا عايزني فعلا، مصممين عليا، للحظات حسيت انهم عايزين واحدة زيي علشان تساعد امه اللى بتتحرك بصعوبة، لكن لقيت الموضوع اسهل من كده، شافني وعجبته وعجبت مامته، وقالت مامته:
- معلش يا رغدة، لو سليم عايزك تشتغلي ده لانه لسه فى بداية حياته، هو لو مش خايف تضيعي منه وحد ياخدك كان قال تتخطبوا كام سنة لحد ما يكون نفسه، بس خير البر عاجله واهو القفة ام ودنين يشيلوها اتنين.
كان كلامها طبيعي، وهي حنينة وكويسة، وهو وسامته وشياكته خطفوني، وحسيت انه محترم وعايزني، ووافقت واتجوزنا فى شقة مامته اللى اتفرشت فرش جديد علشان انا عروسة، اه ساعدته طبعا فى الفرش بس ده طبيعي يعني اي عروسة اهلها بتجهزها، وانا جهزت نفسي، وبرضو لسه الفلوس بتاعت الدار ببتاخد مني بنفس راضية، وعيشت مع سليم وامه فى هدوء، بشتغل وبديله كل فلوسي وبرجع من شغلي اشوف شغل البيت وطلبات مامته وطلباته...كان ضغط عليا وتعب المستشفى والبيت وسليم، لكن كنت فرحانة، انا عايشة زي الناس، بقى ليا بيت، بقى ليا اهل وناس، كنت مبسوطة وده كان مهون عليا تعبي، لحد ما في يوم رجعت من الشغل وكان سليم فى البيت قاعد مع مامته بيتفرجوا على التليفزيون..كنت زي العيل الصغير وانا بقول:
- انا حامل، انا حامل يا ماما ماجدة، حامل يا سليم.
ماما ماجدة فرحت وخدتني في حضنها، لكن سليم كان رد فعله غريب، سرح وسكت، ومعلقش، بصيت ماما ماجدة لسليم وقالت وكأنها فهمت قصده:
- متقلقش يا سليم، اكم ستات بيشتغلوا وحملوا وخلفوا وكملوا في اشغالهم، رغدة جدعة وبمليون راجل، هتفضل سند لينا وللنونو اللي جاي.
رغم اني كنت زعلانة من رد فعل سليم، الا ان كلام ماما ماجدة حسسني اني فرحانة، حسيت بقيمتي، حسيت اني ليا لازمة، اني اكون سند ليها هي و ابنها بلسانها...دى حاجة تحسسني اني مهمة عندهم، كلامها خلاني احضنها اكتر وابص لسليم واطمنه...انا اللي بطمنه ههههه:
- متقلقش يا حبيبي، انا هيكون ليا اجازة وضع، وهولد في المستشفى ان شاء الله يعني مش هحتاج مصاريف ولادة، وحاجات المولود بسيطة مش هتبقى هم كبير، لسة فيه زيادة سنوية جاية كمان شهرين، يعني رزق المولود جاي جاي، وانا هفضل في شغلي مش هسيبه، مش عايزاك تقلق.
قام سليم من مكاني اخدني فى حضنه، محسيتش وقتها ان اهتمامه بشغلي والمرتب بتاعي اكبر من اهتمامه بيا وباللي فى بطني، كنت هبلة، فرحت، وافتكرت انهم فرحانين، لكن الغريب انهم تعاملوا مع الوضع طبيعي جدا، كأن مفيش حاجة اختلفت، لا حسيت بخوفهم عليا علشان حامل، ولا حد سألني:
- نفسك رايحة لحاجة؟ طيب بتتوحمي على ايه؟ طيب تعبانة؟
لالا، خالص، كنت بعمل اللى اتعودت اعمله كل يوم قبل الحمل، شغلي فى المستشفى، شغلي فى البيت، خدمة مامته على اكمل وجه، خدمته وطلباته كلها، حتى لو هو اجازة وقاعد قدام التليفزيون او نايم..ارجع الاقيه مستنيني اعمل لمامته كل حاجة بعملها كل يوم، رغم انه قبل ما يتجوزني كان هو بيعمل كل حاجة، وفاتت فترة الحمل عليا طوويلة، حتى المتابعة ولا واحدة من المتابعات حد منهم كان معايا، كنت تعبانة ومستنية اولد بفارغ الصبر، واللي كان مهون عليا هو اني اخيرا هبقى ام، هبقى ست بجد، اصل انا غبية، شايفة ان الست متبقاش ست الا لما تبقى ام بس، غير كده انا كنت راجل، شايلة مسؤلية بيت واسرة ومصاريف وخدمة...لالا انا كنت اجدع من الراجل كمان واخيررررررررررررا خلفت، جيبت سلمى بنتي، الفرحة اللى بجد، ولدت طبيعي وقال سليم اليوم ده:
- الطبيعي اسهل، مش هتقدري تشوفي طلبات البيت لو ولدتي قيصري يا رغدة، انا وماما مش هنعرف نعمل حاجة، وخاصة للبنت.
عيني دمعت، مش عارفة زعلت على نفسي اني ماليش ام، ولا زعلت على انه مطبطبش عليا؟ فى اليوم ده حسيت اني محتاجة ام، شوف يا دكتور انا عيشت لحد يوم ما ولدت 24 سنة، دي كانت اول مرة احس اني فعلا محتاجة ام، ملقيتهاش، رجعت البيت قالت حماتي:
- ما تحضريلنا لقمة يا رغدة، اليوم كان طويل وانا باين عليا ضغطي واطي.
رد سليم وهو داخل اوضة امه:
- لما تخلصي صحيني بقى.
كنت تعبانة، شايلة سلمى على ايدي وواقفة باصة لباب الاوضة اللى اتقفل فى وشي وعيطت، سألت نفسي:
- هو انا مستاهلش حد يخدمني؟ مستاهلش حد يساعدني؟ مستاهلش حد يحس بتعبي؟ مستاهلش حد يفرحني ويفرح بيا؟
ملقيتش رد، سألت نفسي وجاوبت على نفسي برضو..
سألت رغدة فى اللحظة دي:
- وجاوبتي على نفسك بأيه؟
رغدة بحزن:
- قولت لنفسي لاء يا رغدة متستاهليش، لو تستاهلي مكانوش اهلك رموكي، ولا غلطوا وجابوكي الدنيا.
رديت عليها وانا حزين على حالها:
- وفضلتي على حالك؟
رغدة:
- لاء، بقيت اسواء، اه اخدت اجازة وضع، لكن كنت اسواء مما كنت قبل ما اولد، شغل البيت بقى اضعاف، حماتي طلباتها زادت وكأنها بتعاقبني على اني اجازة، سلمى مش بتخليني انام، وطبعا سليم كان بينام فى اوضة مامته علشان صوت عياط سلمى ميضايقهوش، مبيشيلهاش مني ابدا، حتى حماتي مفيش مرة خدتها مني وانا واقفة اطبخ ولا اغسل ولا اخلص المواعين، فى مرة اتكلمت مع سليم وقولت:
- هو انت ليه متساعدنيش فى سلمى يا سليم؟ انا بتعب جدا، وانت فى الطبيعي كنت بتساعد مامتك قبل ما تتجوزني!
رد عليا رد كسر قلبي اللى تقريبا مكسور طول عمره وقال:
- وانتي من امتى في حد بيساعدك؟ هو فى الملجأ كان فيه حد بيساعدك؟ كان ليكي ام او اب يعني بيساعدوكي؟ كان عندك عم او خال؟ ليكي حد من دمك كان بيشيل معاكي اي شيلة؟
سمعت صوت قلبي فعلا، حسيت اليوم ده بأهانة محسيتش بيها عمري كله، رديت عليه وانا الدموع واقفة فى عيني ورافضة تنزل من الصدمة:
- ليه الوجع ده يا سليم؟ انا مطلبتش اكتر من انك تشيل عني شوية، انا من يوم ما دخلت بيتك مقصرتش...
قاطعني سليم وقال:
- ماهو انتي جاية البيت ده تشيلي مش تتشالي، جاية هنا تساعدي، امي اللى كانت محتاجة حد يخدمها ويمرضها انتي هنا علشانها، اكيد جوازي منك اوفر بالنسبة ليا من انك تبقى ممرضة بتاخدي اجرة على خدمتك ليها.
انا كدكتور لما سمعت الكلام ده قلبي وجعني عليها، كنت عايز اقوم اطبطب عليها، عايز اروح اقتل سليم، واقتل امه اللى ربيته رباية قذرة زي دي، وفى اللحظة دي كملت رغدة اللى سحلتني فى الجلسة بتاعتها وهي بتقول:
- فهمت اني قاعدة فى بيته بخدمه وبخدم امه وبشوف رغباته كراجل وبشقى واشتغل...وقصاد كل ده بدفعلهم فلوسي، تخيل انا عملت فى نفسي ايه؟ اشتغلت ممرضة، واشتغلت ملبية رغبات، واشتغلت شغالة، بورقة عند مأذون...وبدفع فلوس على كل الشغل اللى بشتغله ده...انت متخيل يا دكتور؟
تعليقات
إرسال تعليق
مرحب بكم في مدونة معرض الرويات نتمنه لكم قراء ممتعه اترك5 تعليق ليصلك كل جديد