قصة اسرار ال كريم
الفصل الاول1الاخير
بقلم aşkım
في ليلة باردة من ليالي الشتاء، كان كريم، شاب بسيط يعيش حياة هادئة، يعاني من كوابيس غريبة تهاجمه كلما غفت عيناه. في البداية، كان يعتبرها مجرد أحلام عابرة، لكن مع تكرارها وبروز تفاصيل مرعبة أكثر فأكثر، بدأ يدرك أن هذه الكوابيس ليست طبيعية.في كل حلم، يجد نفسه في أماكن غريبة لا يعرف كيف وصل إليها، أزمنة مختلفة وأشخاص غامضين لم يرهم من قبل، يرتدي أحيانًا أزياء من عصور سحيقة، وأحيانًا من المستقبل، وفي كل مرة، يستيقظ بقلب ينبض بشدة وتعرق يغرق جسده.
بعد مرور أسابيع على هذه الأحلام الغريبة، بدأ كريم في ملاحظة تفاصيل غير عادية، فمرة يجد جرحًا جديدًا على يده بعد أن كان قد أصيب به في الحلم، ومرة أخرى يجد رمادًا على وسادته كأنما خرج من مكان مشتعل. كان هذا كفيلًا بإدخاله في حالة من الخوف والاضطراب. هل يعيش كريم في عالم حقيقي أم أن نومه أصبح بوابة لعالم آخر؟
في إحدى الليالي، وجد نفسه في قصر مهجور، تحيط به جدران حجرية قديمة، وممرات مظلمة تملؤها لوحات بملامح مشوهة. كان هناك ضوء خافت قادم من غرفة بعيدة، وبحذر تقدم نحوها. عندما دخل، شاهد عائلته ولكن بملابس قديمة وغريبة، وتبدو ملامحهم متجمدة. اقترب من والده لكنه لم يستجب، وعندما حاول لمس يد أمه شعر ببرودتها وكأنها ليست على قيد الحياة.
هنا تملك الخوف من كريم، وبدأ يجري باحثًا عن مخرج، لكن فجأة وجد نفسه في مكتبة القصر بين كتب مهترئة. أثناء بحثه عثر على كتاب قديم يحمل اسم عائلته "أسرار آل كريم". تصفح الكتاب ليجد فصولًا تتحدث عن أسرار عائلية مرعبة، أسرار لم يسمع بها من قبل: أن بعض أسلافه كانوا يتنقلون بين العوالم والأزمان أيضًا، لكنهم اختفوا بشكل غامض.
استيقظ كريم في غرفته فجأة، يلهث وكأن الهواء قد نفد من رئتيه، وعيناه تحدقان في السقف. لم تكن الليلة عادية، فقد خرج عن سيطرته وبات يشعر أن رحلته ليست مجرد حلم، بل بوابة تفتح له غصبًا ليكتشف سر عائلته المخيف.
منذ تلك الليلة، أصبح كريم يتعايش مع هذه الأحلام بل ويبدأ في مراقبة أدق تفاصيلها محاولًا فهم الرسائل الخفية التي تحملها. وفي كل مرة، يجد نفسه يقترب أكثر فأكثر من معرفة الحقائق التي تجعل حياته متشابكة مع هذا العالم الآخر.
مع مرور الأيام، بدأ كريم يعاني من قلة النوم بسبب الرعب الذي أصبح يلازمه في كل حلم. لكن الفضول كان يدفعه للغوص أعمق في أسرار عائلته، رغم الخوف. ففي كل مرة يغفو، كان ينتقل إلى زمن جديد، إلى أماكن أكثر رعبًا، وأشخاص أكثر غرابة.
في إحدى الليالي، وجد نفسه في قرية قديمة تحيط بها الأشجار العملاقة، وكانت رائحة الأرض مزيجًا من الطين والدماء. سمع أصوات همسات مخيفة تتردد في كل أرجاء المكان، وأدرك أن الناس هناك كانوا يتهامسون عن “اللعنة التي أصابت عائلته”. بدأ أحدهم يروي أن أسلافه قد تلاعبوا بقوى غامضة مكنت أفراد العائلة من التنقل بين الأزمان، لكن ذلك جاء بثمن غالٍ؛ فقد اضطرت العائلة للتضحية ببعض من أفرادها كل جيل، وإلا سيظلون عالقين بين العوالم.
في حلم آخر، استيقظ كريم ليجد نفسه في مدينة مستقبلية، تحاصرها ناطحات السحاب المعدنية التي تضيء بألوان نيون باردة. كان وحيدًا في شوارع المدينة الخاوية حتى سمع صوتًا يناديه من بعيد، كان صوت امرأة غامضة تقول: “أنت الوحيد المتبقي يا كريم، البقية فشلوا وعلقوا هنا.” تقدم بخطى مترددة نحو الصوت ليكتشف أنها جدته التي ماتت منذ سنوات، وقد حبست بين الأزمنة بسبب اللعنة التي تطارد العائلة. صرخت به: “إذا لم تكتشف السر الحقيقي للعائلة، ستظل هنا إلى الأبد! لن يعود هناك حلم، ستبقى عالقًا في هذا العالم!”
عاد كريم إلى عالمه مرعوبًا، وأصبح لديه شعور قوي بأن هذه الأحلام ليست مجرد رؤى عابرة، بل تنبيهات من عائلته الملعونة. ومع اكتشافه لتلك الأسرار، بدأ يدرك أن نومه لم يعد يخصه وحده، بل أنه مرتبط بمصير العائلة كلها.
ذات ليلة، وجد نفسه أمام مرآة ضخمة تعكس ماضيه وحاضره ومستقبله، ورأى صورته تتغير بين شاب وكهل ثم طفل، حتى توقف الزمن وكأنه عالق في الفراغ. هنا، همس له صوت داخلي، صوت لم يسمعه من قبل، قائلاً: “اللعنة لن تزول إلا بالتضحية، تذكر هذا جيدًا.” أدرك كريم أخيرًا أن عليه التضحية بشيء مهم، ولكن لم يكن يعرف ما هو بعد.
وفي الليالي التالية، صار يتعايش مع الكوابيس محاولًا فك ألغازها، مستعدًا لأي تضحية قد تحرره من هذه اللعنة.
في الليلة التالية، عاد كريم إلى عالم الأحلام، ووجد نفسه هذه المرة في مقبرة قديمة تحيط بها أشجار جافة، وتغطيها طبقة من الضباب الكثيف. كان يسير ببطء، تائهاً بين القبور التي تحمل أسماء أفراد عائلته، وكل قبر يحمل تاريخ وفاة مرتبط بحادثة غامضة. لم يكن في تلك المقبرة سواه وسوى تلك الأجواء المخيفة، حتى لمح قبراً فارغاً يحمل اسمه وتاريخاً مجهولاً للوفاة. شعر بقشعريرة اجتاحت جسده، وكأن اللعنة اقتربت من نهايتها، وأنه قد يصبح الضحية القادمة.
بينما كان يقف متجمداً أمام القبر، ظهرت له روح امرأة عجوز، ملامحها شاحبة وعيناها تحملان حزناً عميقاً. تعرف عليها فوراً، إنها جدته التي لطالما كانت تروي له قصصاً عن العائلة في طفولته. نظرت إليه بنظرة عميقة وقالت: "يا كريم، لعنة عائلتنا كانت نتيجة الطمع في قوى لم نفهمها، كنا نعتقد أننا نسيطر على الزمن، ولكننا أصبحنا أسرى له. عليك أن تقطع السلسلة، وأن تكون آخر من يحمل هذه اللعنة."
تردد كريم قبل أن يسألها بصوت مرتجف: "كيف أستطيع إنهاء هذا؟" نظرت إليه بحزن وأجابت: "يجب أن تضحي بذكرى شخص عزيز جداً عليك، ذكرى لو فقدتها لن تستطيع أن تتذكره أو تحبه مجدداً."
كانت الكلمات قاسية وثقيلة على قلبه، لكن كريم أدرك أن الأمر جدي، وأنه إذا لم يتخذ القرار الشجاع، سيبقى عالقاً بين العوالم، وسيظل طيف العائلة يطارده إلى الأبد.
عاد كريم إلى عالمه، متردداً، قلبه مثقل بالأسى والحيرة. قرر بعد تفكير طويل أن يقوم بالتضحية بذكرى والده الراحل الذي كان يحبه بشدة، الشخص الذي طالما استمد منه القوة والأمان. جلس في غرفته وأشعل شمعة، وبدأ يردد كلمات تتعلمها في أحلامه، يحاول أن يقطع الرابط بينه وبين ذكرى والده، وشيئاً فشيئاً، بدأت الذكريات تتلاشى كالدخان أمام عينيه.
في اللحظة التي انتهت فيها التضحية، شعر كأن ثقلاً هائلاً قد زال عن صدره، وكأن بوابة العوالم قد أغلقت. ولأول مرة منذ شهور، غفا دون أن يرى كابوساً. لكن عندما استيقظ، لم يستطع تذكر وجه والده، ولم يعرف حتى لماذا يشعر بحزن عميق رغم أن اللعنة قد زالت.
هكذا عاش كريم بقية حياته، متحرراً من اللعنة، لكنه ظل يحمل فراغاً في قلبه، فراغاً لا يستطيع تفسيره.
النهاية

تعليقات
إرسال تعليق
مرحب بكم في مدونة معرض الرويات نتمنه لكم قراء ممتعه اترك5 تعليق ليصلك كل جديد