القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية قرية الاموات الفصل الاول1بقلم محمود الامين

رواية قرية الاموات 
الفصل الاول1
بقلم محمود الامين
تعرف لما تحس بالرهبة والخوف وإنت داخل مكان.. قلبك يتقبض كده وتحس بعدم الراحة، وتبقى عايز ترجع ومش عارف عشان خلاص بقى أمر واقع.. جرّبت ده قبل كده؟

أنا جرّبته لما دخلت أعلّجها من المس اللي عليها، فبصّتلي وقالت:
_ مش هتعرَف تعمل حاجة غير لما تسد الدين اللي عليك!!
_ دين إيه؟ أنا مش فاهم حاجة؟
_ قتلت عيالك ليه يا موسى؟... لازم ترد الدين عشان تعرف تواجهني. مش هتعرَف تخرجني، مش هتعرَف!
...
وقتها رجعت بالزمن ٢٠ سنة ورا، وافتكرت أغرب حكاية ممكن تسمعها في حياتك.
.
أنا موسى، أو الشيخ موسى زي ما بيناديني أهل البلد اللي أنا منها.. كنت شاب في العشرين من عمري، اتربيت على إيد الشيخ الرفاعي أبويا، اللي كان شيخ الجامع وقتها..
أبويا هو الشخص اللي حببني في الدين والعِلم، وحفظني القرآن الكريم كامل، وعشان هو كان محبوب وذو علم، الناس اختارته يحكم ما بينهم بالعدل، واللي كان عنده مشكلة شخصية أو مشكلة مع حد، كان بييجي لأبويا..
وعشان إحنا من الصعيد أصلاً، أقدر أقولكم إن أبويا كان القاضي العُرفي للبلد.
...
ولما وصلت سن العشرين، بدأت أتعلم حاجة تانية خالص..
اتعلمت طرق العلاج من المس والسحر بالقرآن الكريم.. لكن دخولي في السكة دي مكنش مريح لأبويا، وكان دايمًا يقولي:
_ يا ابني مالك ومال السكة دي؟ خليك مكاني، أنا سني كِبِر ومحتاجك جنبي.. لازم تبقى شيخ الجامع والقاضي العُرفي للبلد دي.
_ ربنا يديك الصحة وطولة العمر يا حج.. متخفش عليّا، أنا فاهم السكة دي كويس وعاوز أكمل فيها، وبصراحة ومن غير ما تزعل مني، أنا مش شايف نفسي لا شيخ جامع ولا قاضي عُرفي.
أنا مبسوط كده.
_ بس يا ابني، السكة دي مش سهلة.. إنت هتواجه الجن بجميع صوره وأنواعه، وعشان تقدر عليهم، محتاج تتعلم حاجات كتير.
_ أنا بدرس من فترة يا حج، واتعلمت طرق العلاج من المس والسحر بالقرآن الكريم.
_ مش كفاية! وطالما مصرّ على الطريق ده، أنا هبعتك للشيخ سالم.. ده صاحبي من أيام زمان، وهخليه يعلمك كل حاجة. أصل الموضوع مش طرق علاج وبس، لأ.. دي مواجهة مع الجن، ولازم تكون جاهز.
_ والشيخ سالم ده فين؟
_ في قرية جنبنا هنا.. هتروح وتقولّه أنا ابن أخوك الرفاعي.
_ ابن أخوك؟!!
_ آه، وماتستغربش.. الشيخ سالم كان أكتر من أخويا، وهتشوف لما يعرف إنك ابني هيستقبلك إزاي.
...
كان عندي شغف إني أتعلم كل حاجة وأكون جاهز زي ما قاللي أبويا.
جهزت شنطتي واتحرّكت على البلد اللي مش هقدر أذكر اسمها دلوقتي على الأقل.. ساعة إلا ربع في عربية أُجرة ماشية في طريق ضيق، لحد لما السواق قالّي:
_ وصلنا يا أستاذ، تقدر تنزل هنا وتمشي جوّه الشارع ده، هتلاقي القرية في وشّك على طول.

شكرته ونزلت من العربية، وتمشيت في الشارع ده لحد آخره.. بس مع كل خطوة، كنت بسمع صوت صرخات وبتعلى مع كل خطوة..
دخلت القرية على جنازة كبيرة، وصوت الصراخ في كل مكان.
كنت واقف قدام المشهد ده وبقول: آه، هي أول القصيدة كفر!
الناس اتحرّكت على المقابر.. تمشيت لجوه شوية لحد ما وصلت لست كبيرة قاعدة على الأرض، وقلت لها:
_ سلام عليكم يا حجة.. بعد إذنك، كنت بسأل على بيت الشيخ سالم؟
_ هو ده اللي هناك يا ابني، بس هو أكيد مع الناس في الدفنة دلوقتي.
_ هو مين اللي مات يا حجة؟
_ قصدك تقول مين اللي لسه عايش يا ابني!!
_ يعني إيه؟ أنا مش فاهم؟
_ إحنا يا ابني كل يوم في الهم والغم ده.. كل يوم عيل من عيالنا ميت، ومش ميت موتة طبيعية، لأ، ده مقتول! والقاتل مجهول يا ابني.
_ طيب إيه السبب؟.. أكيد يعني في سبب؟
_ السبب مجهول، بس الكلام زاد على مقبرة أثرية هنا في القرية، وإن الجن مش راضي لحد دلوقتي بأي دم اتقدمله، وإن التضحية دي هتستمر لحد ما الجن يرضى عنهم!
بس ده خرافات يا ابني.. حتى الشيخ سالم بيقول إنها خرافات.
تعرف يا ابني، إحنا من كتر الأطفال اللي بتموت، اتقال علينا "قرية الأموات".
...
سبت الست دي ومشيت، وأنا مش مقتنع بكلامها، لكني ابتديت أقلق وأخاف..
قرّبت من البيت اللي شورت عليه، وخبّطت.. شوية والباب اتفتح، وشوفت بنت جميلة جدًا كانت فاكرة أبوها رجع، لكن لما شافتني أنا، رجعت لورا واستخبت ورا الباب وهي بتقولّي:
_ إنت مين؟
_ أنا موسى، كنت عايز الشيخ سالم في موضوع مهم.
_ بابا في الدفنة، تقدر تستناه في الجامع، وأنا هبلّغه.. الجامع وراك أهو هناك.

وقفلت البنت الباب.. رجعت عند الجامع ودخلت، كان العصر بيأذّن، اتوضيت وصليت.. وقعدت أسبّح شوية وسرحت.. فوقت على صوت بيقولّي:
_ سمعت إنك بتسأل عني؟ أنا الشيخ سالم، أؤمر؟
_ أنا موسى، ابن أخوك الرفاعي.
_ الشيخ الرفاعي؟.. يا أهلاً بابن الغالي، بالحضن! كبرت يا موسى، ما شاء الله عليك.
_ تسلم يا شيخ سالم.. أبويا حكى لي عنك كتير، وقال لي إنك تقدر تساعدني في اللي أنا عاوزه.
_ طيب، مش هنتكلم هنا.. تعالَ معايا البيت ناكل لقمة ونتكلم براحتنا.
...
وروحت مع الشيخ سالم بيته، وعرفت إن بنته اسمها فرحة.. جهزتلنا الغدا، وبعد ما أكلنا وشربنا الشاي، بدأت أشرح للشيخ سالم أنا عايز إيه، فرد عليّا وقال:
_ عشان تقدر تواجه الجن، لازم يكون إيمانك قوي.. أصل الجن أنواع ودرجات، منهم الشياطين والمَرَدة والعفاريت، وعشان تعالج الناس لازم تعرف إنك ممكن تتأذي.
الموضوع كبير، مش صغير زي ما إنت فاكر يا موسى.
_ طيب، ممكن سؤال؟.. هو إيه حكاية موت الأطفال اللي في القرية دي؟
_ أممم، إنت اتكلمت مع مين يا موسى في الموضوع ده؟
_ ست كبيرة في السن بره في الشارع.. هو حضرتك قلقت كده ليه؟
_ لا أبدًا، بس كل الكلام ده خرافات.. دي جرايم قتل، وإن شاء الله القاتل يتمسك قريب.
_ طيب، وأنا هقعد فين يا شيخ سالم؟ معلش، إنت راجل عندك بنت ومش هينفع أقعد هنا.
_ لا، متخفش.. في بيت تبعي هنا هتقعد فيه، وأنا هجيلك عشان أعلّمك كل حاجة.
...
خرجت مع الشيخ سالم لحد البيت، وقال لي: هتقعد هنا يا ابني، ولو عوّزت أي حاجة كلمني على الرقم ده.

مشي الشيخ سالم، وأنا مش مطمّن.. البلد دي فيها حاجة غلط.
حاولت أنام شوية، لكن مفيش نوم.
كلّمت أبويا في التليفون وطمنته إني وصلت ومقيم دلوقتي في بيت تبع الشيخ سالم، وحكيت له على تفاصيل اليوم.. بس فاجئني لما قالّي:
_ وإيه رأيك في فرحة؟.. تعرف إني حاطط عيني عليها من زمان وعايز أجوزها لك.. إيه رأيك لو اتكلمت مع الشيخ سالم في الموضوع ده؟
_ أنا مش عارف أرد أقول إيه.. أنا ما شوفتهاش غير مرة.
_ طيب، اسمع كلامي، وإنت مش هتخسر.. وفكّر كويس.
...
أنا منكرش إني اتشدّيت ليها من أول نظرة، بس مش لدرجة جواز..
فضلت أفكّر في كلام أبويا لحد ما قررت إني آخد الخطوة دي..
وبدون الدخول في تفاصيل مش مهمة، أنا اتقدمت لفرحة، وأبوها وافق، وفي ظرف ٣ شهور كنت متجوزها.
وليه رفضت أقول تفاصيل؟
عشان اللي جاي هو الأهم...
فرحة كانت بتهرب من موضوع الخلفة، كل ما كنت أتكلم معاها فيه كانت تتهرب من كلامي.
كنت فاكر إن عندها مشكلة، لكن في يوم صحيت عشان أصلي الفجر، خرجت من البيت عشان أروح الجامع، لكني شوفت اللي خلاني اتجمّدت مكاني!
شوفت على الأرض طفل بينازع الموت، جسمه غرقان دم..
قرّبت منه، وكان لسه فيه الروح، ولسه هكلّمه، لقيته بيشاور ورايا، ولسه هتلفّت، ضربة على دماغي وقعتني على الأرض، ولمحت واحد لابس جلابية وملثم بيجري..
وبعدها فقدت الوعي..
لكن لما فوقت شوفت

تعليقات