القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الاحدب الفصل الثاني2بقلم محمود الامين

رواية الأحدب
 الفصل الثاني2
بقلم محمود الامين
لقينا خناقة كبيرة دايرة في الشارع، وناس كتير عمالة تضرب في بعضها واحنا مش فاهمين حاجة، عصام كان هيقرب بس أنا منعته، والموضوع كبر لدرجة إن في ناس كانت بتضرب بشوم وسلاح أبيض.
وما تعرفش الحكومة فين من كل ده؟!
وبعد نص ساعة، كانت الخناقة انفضت، واللي اتعور اتعور، وفي ناس اتنقلت بسرعة للمستوصف اللي في القرية، كل ده واحنا مش فاهمين حاجة، لحد ما سمعت واحد من أهل القرية بيتكلم وبيقول:
_ يا ريت الناس بقت فوق وتفهم وترجع لربنا، أنا قلت إن وجود الدجالين ده هنا هيسبب فتنة كبيرة ما بينا.
...
اتدخل واحد ورد عليه وقال:
= دول شيوخ وناس فاهمة وعارفة هي بتعمل إيه، ومش إنت اللي هتنصح الناس يا عم نصر وتقولهم ارجعوا لربنا.
_ قصدك إيه بالكلام ده يا سالم؟
= قصدي إن اللي بيته قزاز ما يحدفش الناس بالطوب، وإنت فاهمني كويس أنا أقصد إيه.
_ قسمًا بالله يا سالم لولا إنك أكبر مني لكنت قتلتك على الكلمتين دول.
كانوا لسه هيشدوا مع بعض، لكن عصام اتدخل وحل الموضوع ما بينهم، وسأل وقتها الراجل اللي اسمه نصر عن اللي حصل في القرية وإيه وهو مش موجود.
فرد نصر وقال:
_ الجهل يا عصام، لما يتحكم في حد بيسيطر عليه.. اللي بيقول عليهم سالم شيوخ اجتمعوا النهارده بأهل القرية وقالوا إن في مقابر أثرية تحت بيوت كتير في البلد، وحددوا كمان بيوت، بس اللي اتعرف إنه لازم عشان تتفتح أي مقبرة يبقى في قربان. الشيوخ دول اللي بيقول عليهم سالم، حللوا دم الأطفال والبنات.
كنت بسمع كلام نصر ده وأنا مصدوم، لكنه كمل كلامه وقال:
_ لما قالوا الكلام ده اتقسمت الناس ما بين مؤيد ومعارض، والمؤيدين هي الناس اللي ما عرفتش يعني إيه خلفة، فيهم ناس ما اتجوزتش أصلًا، وفيهم ناس اتجوزت بس ربنا ما أكرمهمش بالخلفة، فالموضوع مش فارق معاهم، المهم عندهم المقبرة. والمعارضين طبعًا اللي عندهم عيال ومش هيسمحوا أبدًا إن حد يقرب من عيالهم. ومن هنا قامت المشكلة، عرفت ليه أنا بقول إن الناس دي فتنة ولازم تمشي من البلد؟
كلام نصر كان مظبوط، بس الناس دي متسيطر على عقولها بالجهل، وهيتدافعوا عن الفتنة كأنها عرضهم وشرفهم.
رجعت البيت أنا وعصام وأنا خايف من الأيام اللي جاية، والدنيا بدأت تهدى وترجع لطبيعتها من تاني. ووسط كل اللي بيحصل ده، أنا كنت بفكر في أمينة وابني هاشم، يا ترى هشوفهم تاني ولا لأ؟ كنت في الأول باتصل، بترد عليا وتطمني، بس دلوقتي ما حدش بيرد.
فات شهرين، والدنيا كانت هادية في البلد، وبدأت الناس المحترمة اللي في القرية واللي تعرف ربنا بجد بحملة توعية، مجموعة شباب بتنصح الناس وبتعرفهم إن الطريق اللي هما ماشيين فيه ده طريق جهل، وإن الدجالين لازم يسيبوا البلد ويمشوا.
بس في ناس كانت بتحضر الكلام ده في الجامع وبتروح بسرعة تبلغه للدجالين.
وفي يوم كنت في المدرسة، بخلص حسابات الكانتين، ولقيت بنت عوض المجذوب جاية تشتري مني. وبعد ما اديتها اللي هي عاوزاه، لقيت واحد بياخدها من إيدها قدام المدرسة وماشيين. خرجت بسرعة وراه وسألته:
_ بعد إذنك يا أستاذ، إنت مين؟
= هكون مين يعني؟ أنا أبوها.
_ أبوها إزاي؟! أبوها يبقى عوض المجذوب، وإنت باين عليك إنك كويس وما فيش أي حاجة عندك.
= خليك في حالك يا أبو أتب، وروح شوف شغلك. أنا مش هأذي البنت، أنا هرجعها لأهلها.
_ ماشي، هنشوف.
كانت غلطتي إني وثقت في واحد ما أعرفوش. خلصت شغل في اليوم ده، ورجعت على القرية، ولقيت الدنيا مقلوبة. عوض المجذوب كان شغال يصرخ في الشوارع، بيخبط على كل البيوت عشان بنته وما رجعتش. الدنيا كانت مقلوبة، والكل كان بيدور معاه، وأنا ما كنتش عارف أعمل إيه؟ أتكلم وأجيب لنفسي مصيبة، ولا أسكت وأخليني في حالي؟
وبعد يومين، أهل البلد لقوا البنت مقتولة ومرمية في الغيط. عوض كان صعبان عليا، وكنت حاسس بتأنيب الضمير، وعشان كده رحت لمدير المدرسة وحكيت له اللي حصل. وللأسف، طلب مني أسيب الشغلانة، وقال عليا إني مش أهل للثقة، ونصحني إني ما أعرفش حاجة لأهل البلد.
ما كنتش عارف أتصرف إزاي؟
بلغت عصام إنه استغنوا عني، وإني مش عارف السبب. وزي ما وقف جنبي أول مرة وجاب الشغلانة دي، جاب لي كمان شغلانة، بس كانت شغلانة متعبة. اشتغلت في القهوة اللي في القرية، كنت بعمل كل حاجة فيها، كنت متمرمط.
لحد ما في يوم كنت بقدم كوباية الشاي لواحد اسمه سعدني. الكل عارف في القرية مين هو سعدني، كان شخص مش كويس. وأول ما شافني اتكلم وقال:
_ إزيك يا أبو أتب؟
= الحمد لله بخير.
_ ومالك بترد من غير نفس ليه؟
= لا، ما فيش، مضايق شوية.
_ مضايق شوية تتضايق على نفسك، ما تقلبش وشك عليا وانت جاي تقدم لي الشاي.
= هو أنا عملت لك إيه؟ إنت اللي ليك عندي كوباية شاي، واديني جبتها لك.
_ إنت هترد عليا كلمة بكلمة يا جربوع إنت؟
= طب وليه الغلط ده يا سعدني؟
_ لا، الغلط لسه جاي، تعالى.
ومسك فيا وضربني، وما رعاش فرق السن اللي بيني وبينه. الناس اتدخلت وحجزت بسرعة، ولقيت صاحب القهوة بيطبطب عليا وبيقولي: معلش.
روحت يومها البيت وأنا مكسور، وبقول لنفسي: لو ابني كان معايا ما كانش ساب الكلب ده يمد إيده عليا. نمت في اليوم ده وأنا مقهور، وصحيت على صراخ. البلد كانت مقلوبة، عارفين ليه؟
لقوا ابن سعدني مقتول في بيت من اللي قال عليهم الدجالين إنهم تحتهم مقبرة أثرية، لكن جنب الجثة كان في حاجة غريبة: كلب مربوطين رجليه في بعض ومدبوح. وقتها اتكلم واحد من الشيوخ اللي بحق وحقيقي وقال:
_ وجود الكلب هنا بالشكل ده، ده سحر، ومش أي سحر، ده سحر سفلي.
الحكومة جت، واتفتح تحقيق كبير في الموضوع، ولقيت نفسي المتهم الرئيسي في القضية، وده بسبب المشكلة اللي حصلت مع سعدني.
اتقبض عليا، واترميت في الحجز 4 أيام، بس في النهاية خرجت، والحكومة قدرت تسيطر على موضوع الدجالين في القرية، والموضوع المفروض إنه اتقفل. وفاتت السنين، وكبرت، وبان عليا السن.
الملامح خلاص شابت، والتجاعيد ملت وشي، والأحدب بقى راجل عجوز عايش هنا بطوله. كنت بقول الكلام ده لنفسي وأنا واقف قدام مرايتي المكسورة، بس فجأة سمعت صراخ جاي من بره. اتسندت على عكازي وخرجت، لقيت الناس مخرّجة جثة طفل من بيت الحاج جميل، البيت اللي اتقال عليه من السحرة والدجالين إن في تحته مقبرة أثرية. بس اللي زوّد الطين بِلّة، إن في واحد خرج من أهل البلد من جوه نفس البيت، وهو ماسك كلب مربوطة رجليه في بعض ومدبوح.

تعليقات