رواية مزكرات وهمية
الفصل الاول1
بقلم محمود الامين
لبعض يمتلك ذاكرة السمك، ولكن خليني أعدل على المقولة دي وأقول: الكل يمتلك ذاكرة السمك، في ناس بتنكر فعلها، تبقى عامل الحاجة وعارف إنك عاملها وتقول: أنا ما عملتش كده.ونظرية ذاكرة السمك هي نظرية علمية، عشان السمك بينسى كل خمس ثواني، ولكن في بعض الأشخاص الصدمة بتنسيهم، بتعيشهم في وهم مش موجود، بيحاولوا من خلاله تكوين حياة مثالية عكس حياتهم المتدمرة، ولكن الموضوع بيوصلهم لطريق مسدود ونهايته معروفة.. الجنون.
_ أنا بس مش عارف سالم ما بقاش يزورني ليه؟ ده أنا ما ليش غيره في الدنيا، أنا عارف إني غلطت في حقه كتير، بس هو كان لازم يقدّر إن أنا أبوه، ما ينفعش ولد يبجّح في أبوه.
= عم سيد، أنا للمرة المليون بقولك: ابنك مات، وإنت هنا بسبب موته هو ووالدته.
_ إنت هتخليني أندم إني حكيتلك، أنا ابني عايش وبيجي يزورني كمان، ووالدته دي عايشة كمان، وأنا وهي اتطلقنا، بس الولد بار بأبوه.
= يعني إنت مش فاكر يا عم سيد إيه اللي حصل يوم 31 ديسمبر؟
وفي لحظة عم سيد برق وكأنه بيفتكر إيه اللي حصل في اليوم ده، بيفتكر ليلة رأس السنة، افتكر عم سيد منظر الدم وصرخ وهو بيقول: سالم مات، ورحمة ماتت، وأنا فين؟!.. أنا اللي قتلتهم.. أنا اللي قتلتهم..
حلم الكتابة هو حلمي من زمان، بحلم أكون كاتب كبير وأعمل كتب وتنزل في معرض الكتاب الدولي.. أنا بكتب دلوقتي على السوشيال ميديا وليا صفحة كبيرة وعليها متابعين كتير، لكن مشكلتي إني من الصعيد ومضطر إني أركب قطر وأسافر 12 ساعة عشان أروح القاهرة، فقررت إني هستغل فترة الدراسة هناك وأحقق حلمي.. أنا دخلت على طول في الكلام ونسيت أعرفكم بنفسي: أنا أكرم ثابت، عندي 20 سنة من الأقصر، بدرس في كلية حقوق جامعة القاهرة.
يوم ما أخدت القرار سافرت على القاهرة وأول حاجة عملتها إني دورت على شقة صغيرة كده أقعد فيها.. وفعلاً بعد تدوير ولف في الشوارع لقيت شقة والإيجار بتاعها كان معقول وقريبة كمان من الجامعة.. بصراحة من أول ما دخلت الشقة وأنا مش مرتاح، مش عارف ليه جالي إحساس بالخنقة، بس أنا ما صدقت إني لقيت الشقة دي، وعشان كده رضيت بيها.. نضفتها طبعاً ورتبت هدومي وبعدها دخلت الأوضة عشان أنام شوية، لكن وقتها لمحت كشكول سلك محطوط على الترابيزة اللي في الأوضة.. مسكت الكشكول وفتحته ولقيت نفسي بابتسم.. دي مذكرات شخص كان عايش هنا وكاتب مذكراته، أنا بحب المذكرات ويمكن تفيدني في الكتاب اللي أنا عاوز أعمله، أنا هقرا المكتوب في المذكرات دي.
أنا الدكتور وليد، دكتور نفسي بمستشفى العباسية، بحب جداً أكتب مذكراتي واللي بيدور في يومي، حاجة اتعودت عليها من وأنا صغير، بس النهارده يوم مختلف، أصل مذكراتي هتكون عن مريض نفسي قتل مراته وابنه ودفنهم، وبعدها رجع يعيش حياته على إنهم موجودين، ولما فاق راح عمل محضر باختفائهم، ولما الشرطة دورت ورا الموضوع لقوا الجثتين مدفونين في أوضة جوه الشقة، وشهادة الشهود أكدت إن الزوج مش طبيعي، وبعد تحقيقات كتير وصل الموضوع للمحكمة اللي أقرت الكشف على قواه العقلية ووضعه في المستشفى لمدة 45 يوم، والإفادة بتقرير عن الحالة.
والنهارده عرفت إن أنا الدكتور المسؤول عن الحالة، وعشان كده أنا هسمع منه وهكتب في المذكرات.
عم سيد كان في غرفة العزل، مصنّف إنه شخص خطير جداً ولازم التعامل معاه يكون بحرص، دخلت غرفة العزل وكنت متوقع هلاقي راجل كبير في السن، لكن في الحقيقة أنا لقيت راجل في الأربعينات، كان باصص للحيطة كأنه بيكلمها، قربت منه واتكلمت معاه:
_ إزيك يا عم سيد؟ عامل إيه؟
ما ردش عليا، فضل مكمل في صمته، لحد ما مرة واحدة اتعدل وسألني سؤال غريب:
= هو سالم بطل يجي يزورني ليه؟.. هو زعلان مني في حاجة؟
_ مين سالم؟
_ ابني الوحيد، كنت متوقع إن بعد الطلاق أمه هتسيبه يجي يزورني، بس ده ما حصلش غير مرة أو اتنين، أنا عارف إنه زعلان مني عشان أنا ووالدته اتطلقنا، بس المفروض يجي يزورني.
= طيب أنا عايز أفهم الحكاية يا عم سيد، ممكن تحكيلي؟
_ عاوز تسمع إيه؟
= عاوز أسمع الحكاية كلها، إنت هنا ليه؟
_ هحكيلك، بس أنا عاوز منك خدمة.
= خير إن شاء الله.
_ لما يجي سالم قوله: أبوك زعلان منك.
= حاضر يا عم سيد، بس احكيلي اللي حصل.
رجع عم سيد يبص للحيطة تاني، بس اتكلم وقال:
كنت شاب في العشرينات زي أي شاب عنده أحلام وعاوز يحققها، وقتها قابلت صفاء، حبيتها من قلبي وكنت طاحن نفسي في الشغل عشان أعرف أتقدملها، كنت شغال في محل عطارة، ويوم ما جهزت نفسي ورحت اتقدمت اترفضت، ما أقدرش أوصفلك الحسرة اللي كانت في قلبي، ولما أمي شافتني تعبان قررت إنها تجوزني بنت خالتي رحمة، كانت بنت جميلة بس عمري ما حسيت ناحيتها بمشاعر، ولكن أنا كنت عايز أهرب من اللي أنا فيه ووافقت على الجوازة، ورغم كده كنت براقب صفاء من بعيد لبعيد، مش قادر أنساها ولا أبعد عنها.. ومرت سنة على جوازنا أنا ورحمة والحياة بينا كانت روتينية جداً، لحد ما عرفت إن صفاء تعبت ومش تعب عادي، صفاء كانت بتخس بشكل مش طبيعي، وعرفت من أختها إنها بتقوم تصرخ في نص الليل، ما كنتش عارف في إيه؟
نفسي أروح أطمن عليها وأنا عارف إن ده ما ينفعش، وزي أي ست في الدنيا ما بتحس، رحمة حست إني متغير معاها، ودورت ورا الموضوع وعرفت اللي فيها، يومها دارت مشكلة كبيرة بيني وبينها وكانت هتوصل للطلاق، وفي عز ما أنا بحل المشكلة جالي أصعب خبر سمعته في حياتي: صفاء، البنت اللي حبيتها وحلمت أعيش عمري معاها، ماتت.. كنت حاسس إن أنا كمان بموت، ويومها رحت قدام قبرها وفضلت أبكي زي العيال الصغيرة.
ما كنتش عارف أعيش، ورحمة كانت ملاحظة حالتي، وبدأت تتفهم إني كنت بحب صفاء، وعشان كده كانت بتحاول تفرحني، بس الفرحة دي ما كملتش.. رحمة راحت لدكتور عشان تشوف الخلفة متأخرة ليه، وعرفت الصدمة، عرفت إنها مش بتخلف، ويومها جت وصرحتني بالحقيقة، بس أنا كنت في دنيا تانية ما كنتش عارف هي بتقول إيه أصلاً.
وفات ست شهور كنت بحاول أفوق، رجعت لربنا، كنت بصلي وأستغفر وأدعي لصفاء ربنا يرحمها، لحد ما في يوم كنت قريب من المقابر قلت أدخل أقرالها الفاتحة، وقفت قدام قبرها ولسه كنت هقرا، لقيت التربي بيقول:
_ أخيراً حد جه من أهل القبر ده، يا أستاذ حضرتك تعرف اللي مدفون في التربة دي؟
= أكيد يعني، مش شايفني واقف قدامه وبقرا الفاتحة؟
_ طيب هو المدفون هنا كان بيعمل حاجات غلط؟
= إيه اللي إنت بتقوله ده يا جدع إنت؟.. إنت مجنون ولا إيه؟
_ يا أستاذ مش قصدي، بس كل يوم قبل الفجر بسمع صرخات عالية طالعة من القبر ده وأنا مش عارف في إيه؟
= طيب افتح القبر بسرعة.
اللي جيه في خيالي وقتها إن صفاء لسه عايشة، بس اللي لقيته جوه كان أصعب بكتير.. التربي فتح القبر وأنا نزلت وأنا منور كشاف التليفون، ورحت ناحية جثة صفاء، كنت بهز في الجثة على أمل إنها تبقى عايشة، لكن وقتها وقع من الكفن حتة قماش، ولقيت التربي بيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ده سحر! في حد مؤذي داسس سحر في الكفن، عاوز يعذب الميت في مماته.
خرجت من القبر والسحر معايا، والتربي اتكلم وقال:
_ حاول تاخد السحر ده وتتخلص منه، وروح لحد تكون واثق فيه بيعرف يفك الأعمال، أوعى تخليه معاك عشان هتتأذي.
ما ردتش عليه، مشيت ولقيت دموعي نازلة غصب عني، وأول حاجة عملتها إني رحت للشيخ عبد الغفار، وده شيخ أعرفه من زمان، وحكيتله كل حاجة حصلت، والشيخ طلب مني إني أسيب العمل ده وامشي، وإن شاء الله هيعرف يفكه.
مشيت من عنده واتصلت بأخت صفاء وبلغتها باللي حصل، فردت عليا وقالت:
_ اللي غسل أختي وكفّنها، مغسّلة أموات اسمها أم النور.
= تعرفي فين عنوان أم النور دي؟
_ آه طبعاً أعرفه.
أخدت العنوان وتحركت على بيتها، كان بيت في حارة قديمة، بصيت في الساعة كانت داخلة على 12 بليل، والشارع كان فاضي، طلعت شقتها، بس الغريبة إن الباب كان مفتوح، وأول ما دخلت عملت أكتر حركة غبية، قفلت الباب.. اتحركت لجوه، وقتها شميت ريحة بخور وحشة أوي.. دخلت الأوضة واتجمدت مكاني، أم النور كانت واقعة على الأرض ومبرقة ونازل من بقها رغاوي سودا، كنت بترعش من المنظر، رجعت لورا خطوتين عشان أمشي، لكن وقتها الباب خبط، ومش خبط عادي، ده كان في حد بيكسر الباب، وفعلاً مفيش دقيقة والباب اتكسر ولقيت.

تعليقات
إرسال تعليق
مرحب بكم في مدونة معرض الرويات نتمنه لكم قراء ممتعه اترك5 تعليق ليصلك كل جديد